إن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط من المبادرة الإماراتية التي تبعتها البحرين، ليست هرولة أو مساراً من دروب الأوهام الطوباوية، بل البحث عن حق التنوير فيما يتعلق بالأمور الإنسانية، وإنه ليس النزوع نحو الحُلم والمثل العليا لبناء حياة مثالية، فالسلام ليس مشروعاً صعباً، ومثله هو أن الرغبة بمجرد تحقيقها تصبح حقيقة، فلا فرق بين ما هو مثالي وما هو واقعي إلا من حيث التحقيق.

هكذا بدأ موسم السلام في الشرق الأوسط يتحرك بسرعة كرة الثلج، حيث يسعى الجميع إلى لعب أدوار إيجابية في إيجاد حلول للقضايا المركزية في المنطقة، باستخدام هذا الإطار لبناء الثقة من أجل تعزيز التنمية وتطبيع العلاقات بين دول الشرق الأوسط، وأن تكون طريقاً لسلام بناء لإنهاء الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، من خلال رؤية تختلف اختلافاً جوهرياً عن الرؤى السابقة، ترتكز على تفاصيل وأطر ومفاهيم جديدة.

ففي ذاكرة عملية صنع السلام، كانت مصر الدولة السبّاقة، التي قبلت الاقتراح الإسرائيلي للتفاوض المباشر بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، وبدأت الدولتان مفاوضات ثنائية تمخّضت عنها اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978 وتوقيع معاهدة السلام الإسرائيلية ـ المصرية عام 1979، ومنذ ذلك الحين ساد السلام والتعاون بين البلدين.

ولاحقاً في مسارات المفاوضات المتعددة الأطراف لبناء شرق أوسط جديد من خلال بناء الثقة بين الأطراف الإقليمية، انعقد مؤتمر مدريد في أكتوبر1991 بهدف إطلاق مفاوضات سلام مباشرة، وبعد ذلك جرت محادثات ثنائية بين إسرائيل وسوريا ولبنان والأردن والفلسطينيين، وأسفرت هذه المحادثات عن توقيع معاهدة السلام، بين إسرائيل والأردن في أكتوبر 1994، وسلسلة من الاتفاقات المؤقتة مع الفلسطينيين، بما في ذلك اتفاقات أوسلو.

لذلك، فإن غض الطرف عن السابقين وتصوير تحرك أبوظبي والمنامة نحو السلام في الشرق الأوسط بأنه نتيجة سلوكيات محلية المصير الذاتي هو أمر غير عادل، مقارنة بالدول التي سبقتهما، فالسلام لا يعتمد كثيراً على أجندة، بل على شبكة عالية التنظيم من الآليات الداعمة بالرؤية والاستراتيجية والحكمة والقرار، وإن التقنية الرئيسية للحث على التقارب هي تجربة فكرية لمشاركتها مع الجانب الآخر ببعد النظر

وإن بناء الثقة بين الأطراف لإنشاء البنية التحتية والتنمية المشتركة، بهدف التعاون في مجال الحفاظ على الموارد البشرية والطبيعية والبيئة التي ستؤدي إلى فتح الحدود والازدهار في الشراكة الاقتصادية، التي بدورها ستقود إلى السلام الذي يعني أكثر من إنهاء الحرب.