في الشرق الأدنى القديم، الذي يشمل مصر وفلسطين والشام عموماً والعراق والجزيرة العربية، وقليلاً من المناطق المجاورة لها، كان المجتمع هناك قبل أربعة آلاف عام منقسماً إلى مجتمعين، حضرياً فلاحياً، يتركز في مصر وشمال السودان، وآخر رعوياً في المناطق الأخرى، ما عدا جنوب العراق الذي ترسخت فيه الثقافة السومرية، وهذا لا يعني أن ليس هناك حضارة عظيمة في بلاد الشام قبل ذلك، فقد كانت موجودة واندثرت بسبب مجهول إما زلزال، أو غزو البدو للمدن، أو اقتتال داخلي، دمر المباني، وترك الأطلال.

وكان فرعون مصر، والفلاح المصري، ينظرون إلى البدو في المناطق القريبة منهم، مثل سيناء وفلسطين قاطبة، ما عدا مدن صغيرة على الساحل، أناس مختلفون.

في عصرنا الحاضر يردد البعض مقولة «لعنة الفراعنة»، وأذكر ذات يوم وقبل أكثر من ثلاثين عاماً، كان المرشد السياحي من الأشقاء المصريين يشرح لنا، عن الفرعون، وحجرة دفنه ثم ذكر جملة «لعنة الفراعنة» وقال: إن سبب تسميتها منبثق من مرض الملاريا نتيجة للرطوبة المتركزة في ذلك القبر الفرعوني، كامل الغلق لآلاف السنين، وهو محق في موضوع المرض الذي أصاب أحد علماء الآثار في القرن التاسع عشر، لكن التسمية نشأت قبل ذلك بكثير جداً، ولم تكن الملاريا سبباً في التسمية، ففي أواخر المملكة القديمة، في تاريخ يرجع إلى فترة ما بين 1850، 1750 قبل الميلاد كانت هناك آثار تجسد علاقة مصر بآسيا، ومنها نصوص تسمى «نصوص اللعنة» وهي اعتقاد سحري يرون فيه إبعاداً وإقصاء للأشخاص والمجموعات والأشياء التي قد تسبب ضرراً للفرعون أو أرض مصر، ولهم في ذلك أساليب مختلفة، لكنها مقبولة جميعاً عندهم كأدوات سحرية فاعلة، ومنها أنهم يرسمون الشخص في الطين المحروق، أو على حجر مصقول، أو الخشب المنقوش، وغير المنقوش.

وصيغة النص بها تباين، وليست موحدة، وقد تركت لنا الآثار، أسماء أفراد وجماعات، ومدن، ومناطق آسيوية، ونوبية، وليبية، وإن كان أغلب اللعنات منصبة على آسيا، ويسبق اسم الفرد المستهدف لقبه مثل كلمة شيخ، أو أمير، وقد تصب تلك اللعنة على الشيخ ذاته، أو عليه وعلى أتباعه، وهناك نصوص شاملة لمناطق متباعدة كان تذكر مناطق مثل آسيا والنوبيين فيكون في النص «كافة النوبيين والآسيويين».

هناك نصوص تعتمد على الوصف للرجال أو النساء، أو نواياهم ومنها قولهم «رجالهم الأقوياء، وأعداؤهم، والذين يضمرون التآمر، والذين ينوون رفع السلاح والذين قرروا الشغب في أرجاء البلاد» هذه النصوص العمومية ظلت أنها مستمرة مدة طويلة، ولمئات السنين، يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، بينما تلك التي تحمل أسماء الأفراد أو المناطق فإنها تنتهي بزوال الأفراد الذي صبوا عليه لعنتهم، ويقسم الكهنة على هذه الأدوات، وصيغ القسم كثيرة جداً تعد بالمئات على مر مئات السنين.

هذه الممارسة السحرية، غايتها أبطال ما سيفعله الأعداء من الخارج الحاقدين أو تمرد أبطال مبغضي فرعون في الداخل، الذين يصعب القبض عليهم وتأديبهم، أما من يتم القبض عليه، فلا يحتاج الفرعون وأعوانه إلى استهدافهم بهذه النصوص السحرية كما أنها قد تصب على الأشخاص الذين يحملون في قلوبهم حقداً على فرعون، وهم يعيشون في مصر، أو ربما في القصر، دون علم فرعون وأعوانه بهم، أي أولئك الذين لم (يشربوا من مياه فرعون) كما هي الجملة المعتادة، لوصف المخلصين لفرعون بأنهم أولئك الذين شربوا من مائه.

لاشك أن نظرة الفرعون أتباعه وسائر المصريين، وهم المتحضرون، سلبية عن الآسيويين، الذين يرونهم بدوا شرسين غير متحضرين ما عداد «ببيلوس» قرب بيروت لعلاقتها الطيبة مع فرعون.

يقوم الكهنة بعد كتابة الأسماء والنصوص بالقسم، ومن ثم يتم كسر تلك الأدوات السحرية، من خلال رميها بعيداً، وهكذا يرون في ذلك خلاصاً لفرعون وصحبه.

الواقع أن هذا الإرث المصري الضخم والمبهر، يكشف عن حضارة عالية المقام، وأن تخللتها بعض الخرافات كما هي «نصوص اللعنة» هذه.