- ليس الفن أن تنقل لنا أحزانك ومآسيك وكُرَبك وسخطك، ولا أيًّا من تجاربك وخبراتك!. مكتفيًا بذلك!.
- الفن هو أن تقدّم لنا كل ذلك بشكل يُسعدنا، ويبقينا مستمتعين بكل هذه الخرائب!.
- الفن أن تجمع فينا بعملك مرادفات كنّا نحسبها نقائض!.
أن نشعر بألمك ونتعاطف مع شقائك ونقف وجدانيًّا في الجهة التي تريد منّا الوقوف فيها، لكن وفي نفس الوقت، نكون مستثارين بنشوة واستمتاع لما أمكن لك صناعته فنيًّا بهذه الآلام والمواجع!.
سعداء بالشكل الذي تم تقديم كل هذه العذابات من خلاله!. ممتنّين لهذا النور المُشع من تكدّس هذه الأحزان في صدر موهوب قادر على استثمارها بكل هذه الفتنة!.
- أمّا أن تأتي مكتفيًا بهذا الكم المَهول من المآسي، والصبر أو فقدانه!، وما إلى ذلك، ظانًّا أنّ وقوع كل هذه المصاعب وحصول كل هذه الكوارث لك، أمور كافية لتقديم أدب أو فن، فإنه يؤسفني إخبارك أنّ ذلك لا يكفي ولا يفي بغرض!. حتى لو كنت صادقًا، ومهما كنت صادقًا!.
- لا أحد يتمنى فراق حبيب أو غياب عزيز. كما أن حديث أي إنسان عن موضوع كهذا يمكنه إثارة حزننا وشفقتنا وتعاطفنا معه. لكن حين نقرأ، مثلًا، رثائية المتنبّي لأُمِّه “جدّته”، فإن ما يهزّنا حقًّا ليس الحزن ولا مأساة الفقد، وإنما الدّفق الجمالي المُفزِع المُحْتَشِد في القصيدة!.
- ننبهر ونندهش ونُعجب، ونشعر بسعادة غامرة، من ذلك “الشكل” الفنّي، الذي قَدِر على احتواء الفاجعة وبثّ فيها، ومن خلالها، كل هذا البهاء والهناءات!.
- هكذا تجتمع النقائض: حكاية موت تُحكى فتحيا الحكاية وتَخلُد!.
- وكيف لا يحيا موت، ويخلد فناء، ويدوم زوال، ويُسعد الدنيا حزن، أثمر قصيدة، من بعض أبياتها:

ألا لا أرى الأحداث مدحًا ولا ذمّا..
فما بطشها جهلًا ولا كفّها حِلما؟!
لكِ الله من مفجوعةٍ بحبيبها..
قتيلة شوقٍ غير مُلْحِقِها وَصْما!
أتاها كتابي بعد يأسٍ وترحةٍ..
فماتتْ سرورًا بي فمتُّ بها غَمّا!
حرامٌ على قلبي السرور فإنّني..
أعُدُّ الذي ماتتْ به بعدها سُمّا!.
ولم يُسْلِها إلا المنايا وإنما..
أشدُّ من السُّقم: الذي أذهب السُّقما!.