إن الهُوية عملية دينامية متغيرة بفعل التطور والتحول الحضاري للمجتمع، إلا أنها ليست مغلقة أو ثابتة، لأنها مرتبطة بعمليات الإبداع المستمر للإنسان وللمجتمع المبني على تراثه الثقافي، الذي تستمد منه تنوعاته بصورة واعية ومحددة بقصديّة تامة، ولهذا فإن المجتمع يقبل بتلك الإسهامات التي يكتسبها من الخارج بعد استيعابها وتحويلها بما يدعم مرتكزات هُويته.

إن الهوية الثقافية شكّلتها الثوابت الجغرافية ذات النظام الحيوي المتنوع، الذي أنتج تنوعاً ثقافياً، تطور عبر الحقب التاريخية المختلفة، ليُسهم في إنتاج تراث ثقافي تراكم عبر أزمنة متعددة، ويقدم خلال تفاعله مع محيطه العربي والدولي هُوية قائمة على التسامح والوسطية في السلوك، ليصبح وجوده متسماً بالحيوية والقدرة على التجديد، والاستفادة من العلوم والتكنولوجيا المتقدمة.

ولهذا، فإن المجتمع في مسيرته التنموية سيكون أمام طريقين يلتقيان هما: ثقافة المجتمع وثقافة التطور، التي عليها أن تكون ثقافةَ المجتمع في نموه وتطوره الذي تفرضه المتغيرات المتسارعة، ولذلك سنجد أن مجتمعاتنا تقدم من خلال ما تبدعه وتطوره من ممارسات وأنشطة فكرية واقتصادية تعبر عن قدرتها الإبداعية والابتكارية، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تقف أمامها شعوب العالم عامة وشعوبنا بشكل خاص منها الأوضاع الاقتصادية والتحولات التقنية.

ولعل المتأمل في الرؤى الاستراتيجية للـ20 سنة المقبلة سيرى العديد من الحلول والتحولات الهادفة إلى تهيئة فئة الشباب خاصة نحو الابتكار والإبداع، ففي سلطنة عمان تكشف رؤية 2040، التي شاركت في إعدادها فئات المجتمع المختلفة، أن المتغيرات المقبلة والتحديات التقنية عليها أن ترسخ الهوية الوطنية من ناحية، وتقدم مشروعات وطنية قائمة على المواهب والمهارات من ناحية أخرى.

إن المتغيرات الاجتماعية والثقافية الناتجة عن الأوضاع الصحية والاقتصادية الحالية جعلت المجتمعات تعتمد على الشباب، كونهم الفئة الأكثر قدرة على فهم التحولات المتغيرة في عالم التقنية الذي يبدو أنه سيقود العالم في المرحلة المقبلة، حيث جعلت عُمان التقنية والابتكار أساساً في رؤية 2040، ليكون عصر النهضة المتجددة قائماً على القطاعات المعرفية والاقتصادية المبنية على الإبداع والسرعة.

ولعلّ دمج المؤسسات الوزارية والخدمية ضمن منظومة قائمة على تلك المبادئ لا يحقق الفوائد الاقتصادية في ظل الأوضاع الحالية وحسب، بل يحقق الأهداف التي قامت عليها الرؤية، التي تسعى إلى إيصال الخدمات والمشروعات التنموية والمعرفية إلى ربوع السلطنة بتنوع ثقافتها وتعددها، وبالتالي فإن المتغيرات والتحديات التي نواجهها اليوم لا يمكن تخطيها سوى برؤية واضحة قائمة على هويتنا الوطنية والقومية والفكر المستنير المنفتح نحو التجديد والتطوير.