بينما ينشغل العالم بخبر إصابة الرئيس الأميركي بفيروس كورونا، ينشغل العراق بخبر قرار إغلاق السفارة الأميركية في بغداد أو التلويح به. وأثار عزم الإدارة الأميركية غلق السفارة الأميركية ببغداد قلق الأوساط الحكومية العراقية بعد سلسلة من الاستهدافات الممنهجة للمنشآت العسكرية والدبلوماسية الأميركية في العراق.
هددت واشنطن على لسان وزير خارجيتها مايك بومبيو بغلق السفارة الأميركية في بغداد في حال لم تستجب الحكومة العراقية لمطالب واشنطن بتأمين البعثة الدبلوماسية الأميركية في المنطقة الخضراء، كما طالبت 28 بعثة دبلوماسية في اجتماع عقد مع رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي يوم 30 سبتمبر بحماية البعثات الدبلوماسية والسيطرة على السلاح، وبرزت مخاوف حكومية عراقية من أن تحذو هذه الدول حذو واشنطن حال غلق السفارة في بغداد. فهل واشنطن جادة في غلق السفارة في بغداد، أم أن المسألة مناورة سياسية؟ وهل تشكل هذه الخطوة انتصاراً للنفوذ الإيراني؟ وما هي تبعاتها على المشهد السياسي العراقي؟ والسؤال الأدعى للطرح: ما الهدف من الاستهداف المتكرر والمتعمد لمقرات البعثات الدبلوماسية المعتمدة في بغداد والقواعد العسكرية الأميركية؟
تسعى إيران إلى السيطرة على الساحة العراقية، وتعمل بالتعاون مع وكلائها المحليين من ساسة وميليشيات مسلحة للتعجيل بخروج القوات الأميركية. فسعت بعد ثلاثة أيام على مقتل قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» الإيراني، وأبو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة «الحشد الشعبي» في غارة جوية أميركية للضغط على البرلمان العراقي في 5 يناير للتصويت بالأغلبية لمصلحة إنهاء التواجد العسكري الأجنبي في البلاد.
واشنطن من ناحيتها، وفي ضوء تصاعد حدة الهجمات على سفارتها، لا تريد أن يتكرر سيناريو بنغازي عام 2012 ، أو أن يؤدي تصاعد القلاقل والمظاهرات إلى سيناريو احتجاز الرهائن في طهران عام 1979 ، لذا استمرت في إعطاء التحذيرات المتكررة للحكومة العراقية، قبل اتخاذ قرارها النهائي حول وجودها في العراق، إلا أن الحكومة العراقية لم تتخذ الإجراءات الكافية للحد من تصاعد أعداد وحدة الهجمات في الوقت الذي بدأت فيه الإدارة الأميركية باتخاذ إجراءات لتقليص التواجد الأميركي من خلال غلق القنصلية في البصرة في سبتمبر 2018، ثم تقليص البعثة الدبلوماسية في مايو 2019 والموظفين العاملين في العراق ثم إخلاء القواعد الأميركية تدريجياً خلال عام 2019 و2020، وكان آخرها إخلاء القاعدة العسكرية في التاجي.
من المؤكد أن حكومة الكاظمي ستواجه أزمة سياسية حال المضي في قرار غلق السفارة الأميركية في بغداد والانسحاب شمالا إلى أربيل، إذ يعني قرار الغلق انتصار النفوذ الإيراني، وانهيار العملية السياسية، فلقرار الإغلاق ارتدادات عكسية على الساحة العراقية، ومخاطر محتملة في كل اتجاه. فإغلاق البعثة الدبلوماسية في بغداد قد يهيئ الأجواء لضربة عسكرية أميركية على مقار الميليشيات العراقية، وربما يؤدي إلى دخول العراق في نفق الفوضى الأمنية من جديد. لذا يتوجب اليوم على القيادات الشيعية العراقية العاقلة قبل أن تُزايد على الانسحاب الأميركي أن تدرك تبعات القرار الأميركي، وتتدارك أزمة الانفلات الأمني وانهيار الحكومة العراقية، لأن الجميع في المحصلة سيدفع ثمن الفوضى السياسية والأمنية على الساحة العراقية.