أضرتنا سياسة الصمت، كما أضرنا إخفاء يد البر المقدمة لجميع الدول العربية، وفِي مقدمتها منظمة التحرير.

فقد أغدقت المملكة على هذه القضية من الأموال ما يوازي إنشاء دولة، وخلقها من العدم، لو كان هناك منفذون حقيقيون لما حلموا به!

وفِي حديث الأمير بندر بن سلطان كشف عن المستور، كشف كيف ظلت السياسة السعودية صامتة حيال كل الممارسات التى مارسها قادة القضية، سواء من فتح، أو حماس، أو بقية المنتفعين من إبقاء القضية من غير حل.

وحديث الأمير بندر (شخصية كانت داخل المطبخ)، هو حديث أشاع ما كان خافيا لمن لم يكن متابعا، أما المتابعون لتاريخ القضية، ومدعو النضال باسم القضية، فهم على دراية بما فعله قادة المنظمة، منذ تحركات ياسر عرفات المكوكية التى تشي أنه يعمل من أجل التحرير، بينما حقيقة الأمر أنه قد تورط في جشع ( الرفاق)، وأنه كان مشاركا في ذلك الجشع!

لنعد بالذاكرة لكل الأزمات التي مرت بها القضية الفلسطينية، لنعد منذ مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة في تسوية النزاع العربي - الإسرائيلي، وذلك في 21 أبريل 1965، على أساس قرار تقسيم فلسطين، الصادر عن الأمم المتحدة، في 22 نوفمبر 1947.

إلا أن هذا المشروع سقط حين عقد القادة الفلسطينيون (العقدة في المنشار) بتمسكهم بقرار (الكل أو لا شيء)، والآن يقف الفلسطينيون في موقف (لا شيء)!

وبعد مشروع بورقيبة مرت عقود والأراضي الفلسطينية تتناقص، حتى أصبح مشروع بورقيبة حلما لا يطال.

علما أن أي سياسي جاد (في ظل المستحيل) يقبل بسياسة المراحل، وكان بالإمكان أخذ الجزء، ثم المطالبة بالجزء الآخر، وهكذا، فتاريخ التحرير لا يموت، فقط اتباع المراحل التي تحيلك من ضعيف إلى قوي في زمن آخر. وحقيقة القضية الفلسطينية أن قادتها قتلوها..

قتلوها بصور عديدة، كان أبشعها خلق قوى مصاليخ ضد العرب، وليس ضد إسرائيل، ونذكر ما أحدثوه في: لبنان، وسوريا، والأردن، وتونس، ونذكر القتل المجاني باسم التحرير، والافتراق حول حل القضية، وخلقوا معضلات، وأوصدوا الأبواب من أجل عدم حل القضية.

كانت هناك ألاعيب يمارسها القادة الفلسطينيون، مستندين على شعور الشعوب العربية والإسلامية في نصرة القضية، ليصبح التنديد بأي دولة أو أفراد أنهم باعوا القضية، بينما البائع والمشتري هم.

عقود دمرت حياة الناس داخل فلسطين المحتلة من إسرائيل، والمجزأة من قبل حماس وفتح وبقية الفرق المدعية مواصلة النضال، بينما الشعب الفلسطيني أنهك تماما، وكلما حلموا باستنشاق الراحة، أحدث القادة الفلسطينيون دمارا يزيد من تعنت إسرائيل، ويكون ذلك الفعل عاملا لفقد القادة العرب حماسهم لمناصرة القضية، حتى أصبحت المناصرة مناصرة شكلية.

وتسلسلت مشاريع إيجاد أرض محررة (جزئيا) من مشروع بورقيبة، ومشروع الملك فهد، ومشروع الملك عبدالله، ومشروع مبارك، ومشروع الملك الحسين وبعده ابنهالملك عبدالله، وعشرات المشاريع سابقة ولاحقة من قبل رؤساء العالم، وفِي كل زمن تغرق القضية، ويغرق الشعب الفلسطيني في ويلاته.

صدّق الشعب الفلسطيني، وصدّقنا معهم ما يقوله قادة القضية، إلا أن (البقشة) فُتحت، وأبانت لبوس الممثلين التي ظهروا بها في كل العروض المسرحية التى صفقنا لممثليها في كل زمن.

انتفخت كروش القادة، وأرصدتهم أيضا، وأسرارهم، فلم يعد من قضية سوى إبقائها في نزعها الدائم لاستفادة المستفيدين.

وعودة لسياسة المكاشفة التي بدأها الأمير بندر بن سلطان بإظهاره الحقائق كما حدثت، كم أتمنى إظهار الملفات السرية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وعرض الوقائع كما حدثت، على الأقل لنا كشعب، ولبقية الشعوب العربية لنفهم ما الذي حدث، وليعرف الشعب الفلسطيني ما يفعله قادتهم بهم وبنا، فإن كانت إسرائيل مدمرة لحياتهم فلا غرابة أن يكون القادة أكثر دمارا لحياتهم ومستقبلهم.

وأعتقد أن سياسة المملكة تسير صوب الأصوب، بكشف كل ما تفعله الدولة من أجل الآخرين.

فالصمت يضر بِنَا، والقول يظهر أعمالنا قبل نوايانا.