كان من حسن حظي أنني قابلت الأديب علي مغاوي، الذي أسهب في حديثه عن المتحف الذي يحمل اسم فاطمة الألمعي، زوجته. يحلو لعلي أن يصف عودته إلى الجذور بإسهاب. بعد 32 عاما في مجال التعليم اقتنص علي، وزوجته، فرصة التقاعد ليبدأ الزوجان رحلة جديدة. بعض كلام علي عن الفقد أتفهمه لأنني تجرعته. لا أراكم الله مرارة فقد الأبناء. كان حزن الرجل نبيلا، وابتسامته الحزينة تزدهي بتفاصيل لم يتحدث عنها.
يؤمن علي أن أهل الريف بسطاء، وأهل المدن فيهم بعض الغرور الذي تضفيه عليهم المدن. غادر علي قريته حاملا بساطة الريف، متجها صوب الرياض للدراسة والعمل، وعاد إلى ريفه، كما يقول، وهو يحمل بعض غرور المدن التي مر بها. هذا المثقف صهر ثقافته في حديثه الشغوف عن المتحف الذي يحتضن كل شيء يتضوع بالمرأة، سواء كانت أزياء أو مصوغات فضية وذهبية أو إكسسوارات.
لن تجد في متحف فاطمة سيوفا ولا دروعا ولا آلات حرب. لكنك سترى رصدا للأزياء النسائية بكل ألوانها المبهجة. وسترى فن القط العسيري ولوحاته المتميزة التي تصوغها أنامل رفيقة درب علي. وهناك يمكنك أن تقتني هذه اللوحات التي تعكس جزءا من تراث المكان وثقافته. وستجد أيضا جانبا من بصمات زوار المكان، الذين شاركوا في رسم أجزاء من لوحة جدارية تتيح تجربة فريدة بالمشاركة في تجسيد هذا التراث الأصيل.
يتحدث علي بتلقائية واعتزاز بلهجته ومفرداته وصوته المرتفع ومباغتاته للزوار بقفشات تحيل الجولة في المتحف إلى درس في التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع. في متحف فاطمة، تكاد تشم روائح الأمهات، وبخور الجدات، وربما تتداعى في ذهنك بعض الأهازيج والأغاني. وقد تستدعي أيضا "حزام" أحمد أبو دهمان، و"غاوية" عبده خال، وسواهما من نتاج المبدعين الذين حاولوا إعادة صياغة شخوص الأمس بدأب عجيب. ولعلك تستحضر أيضا كتاب "القبيلة العربية.. البنى والتحولات" الذي شارك في تأليفه علي مغاوي. سعيد جدا بمعرفة علي من قرب.