في عددها الصادر الأحد الماضي، أطلق عنوان الصفحة الأولى لجريدة «صاندي بيبول» اللندنية على بوريس جونسون صفة «ماغي الجديدة». إشارة واضحة إلى الراحلة مارغريت ثاتشر، التي اقترن اسمها، بوصف «السيدة الحديدية» من قبل أن تصبح أول امرأة تتسلم رئاسة الحكومة في بريطانيا. انسجاماً مع «المانشيت»، وتأكيداً له، جرى مزج وجهي ثاتشر وجونسون لإنتاج صورة تحمل ملامح الاثنين. تلك واحدة من الحيَل المعروفة في فن الإخراج الصحافي. معروف أن الصحيفة تعكس مواقف حزب «العمال»، وبالتالي واضح أنها قصدت الإيحاء أن سياسات رئيس الوزراء الحالي تحمل سمات تسمح للمراقب بأن يرجعها إلى الزمن الثاتشري، وعلى وجه التحديد ما يتعلق منها بأساليب التعاطي مع أوضاع الطبقات الوسطى بين شرائح المجتمع البريطاني، وبشكل أدق تلك التي تقترب من خط الفقر المدقع، خصوصاً في ضوء ما أنتج ظهور وباء فيروس «كورونا»، من شديد المعاناة في أوساط الفقراء، بعد ارتفاع عدد الإصابات بمرض «كوفيد - 19» بأجزاء من شمال إنجلترا معروف أنها أقل ثراءً بكثير من الجنوب، ومن ثم ما أظهر ذلك كله من تأثير التباين في مستويات المعيشة، على إمكانات التعامل مع انعكاسات وضع مأساوي فرض نفسه على الناس كافة، سواء في هذا البلد، أو غيره، منذ حلّ الفيروس بمختلف أرجاء الأرض.
الاثنين الماضي، تجنّب بوريس جونسون مطب الانزلاق إلى اتخاذ قرار إغلاق تام، في كل أنحاء بريطانيا، فتجاوب بذلك مع مطلب وزراء في حكومته، يساندهم قطاع كبير من كبار ساسة حزب «المحافظين»، وغيرهم من سياسيي بقية الأحزاب بكل مناطق المملكة المتحدة، إضافة إلى عدد من أبرز المسؤولين في مؤسسات كبرى، خصوصاً المتخوفين بينهم من تأثيرات استمرار الاقتصاد في الانحدار، وعجز وزارة الخزانة عن تسديد فواتير تكلفة تتصاعد مع كل إجراءات تشديد جديدة، وتحديداً ما يخص مواصلة دفع تعويضات للمتضررين في مجالات القطاع الخاص. بيد أن ذلك لم يمنع من التحذير، وبلهجة تقطع الطريق على أي متشكك، من أن الآتي قد يحمل مزيداً من صعوبات التوفيق في تحقيق التوازن المطلوب بين صحة الناس، وتعافي الوضع الاقتصادي، الأمر الذي، بدوره، سوف يجعل الشتاء المقبل أشد قسوة في هذا البلد من أعوام مضت.
هل في ما سبق ما يشير إلى تناقضات في سياسات حكومة بوريس جونسون حين يتعلق الأمر بمواجهة فيروس «كورونا»، بمعنى أنها تقول شيئاً وتمارس النقيض؟ ليس بالضرورة. إنما، من الواضح تباين وجهات النظر في تقييم أداء الحكومة البريطانية منذ الهجمة الأولى للفيروس في مارس (آذار) الماضي. ذلك وضع طبيعي بأي مجتمع ديمقراطي. الاتهام الأشد الموجه من بعض أبرز الساسة والنخب الإعلامية، للسيد جونسون، يتمحور حول التخبط، وغياب استراتيجية شاملة للتعامل مع الوباء أساساً. صحيح أنه اتهام وجيه، والأرجح أن له ما يبرره، ولكن يصح أيضاً التساؤل عما إذا كان مُستطاعاً تجنّب الوقوع في هكذا تخبط أمام مفاجأة بحجم كهذا. لستُ أقصد الدفاع عن حكومة جونسون، فلا شك أن أكثر من خطأ وقع، والأبرز بينها تمثل في عدم توفر إمدادات طبية على جانب كبير من الأهمية. أبعد من ذلك، هناك من يرى أن مجرد العجز عن توقع حصول هكذا كارثة، ووضع الخطط المناسبة للتعامل معها، هو في حد ذاته فشل ذريع. بيد أن حصراً مثل هذا الفشل في الحكومة الراهنة، بعيد عن الإنصاف الموضوعي أيضاً.
على أي حال، في انتظار صقيع الشتاء الأشد قسوة، ليس أمام البريطانيين، وغيرهم، حيثما توجد حياة، سوى التعلق بأمل أن ينجح علماء هذا البلد، ونظراؤهم في كل أصقاع الكوكب، في التوصل إلى لقاح ناجع يوقف شر وباء «كورونا» عن مزيد من الانتشار، وحصد أرواح البشر. يبقى تذكّر القول إن في شرور الابتلاءات ثمة ما يبرر، أحياناً، بعض ضحك كأنه البكاء. ساورني شعور كهذا إذ أتابع مساء السبت الماضي، على شاشة «بي بي سي» العرض العسكري بكوريا الشمالية، فيفاجئني إصرار زعيمها على أن بلاده تخلو تماماً من وجود الفيروس، أو أي مصاب بمرض «كوفيد - 19». ترى، هل يمكن تصميم صورة تعكس شخصية الرئيس كيم جونغ - أون، بأفضل مما فعل مصمم صفحة «صاندي بيبول» الأولى يوم الأحد الماضي، مع بوريس جونسون؟ بلى، بكل تأكيد.