في رواية ميلان كونديرا "فالس الوداع" ترجمة روز مخلوف، والتي قرأتها مؤخراً اكتشفت من جديد لماذا أحب كونديرا، ولماذا أنا مولعة بقراءة رواياته.

هذه الطريقة الجذابة في سرد الأحداث، البساطة المتناهية، كأنه يحكي حكاية، بدون كلمات زائدة، بدون مشاعر زائدة وبدون تهويل وتضخيم وحشو كلمات. كل ما ذكرت في وصف طريقته في الكتابة التي انتبهت لها هي العيوب التي تخلو منها رواياته، لأنني بصراحة لا أعرف كيف أصف أسلوبه في الكتابة. أعرف أنه فتنني وفتن القراء في أصقاع العالم بهذا الأسلوب. الكوميديا السوداء، الشخصيات المكتوبة بحرفية عالية، التصرفات التي يقوم بها الأشخاص بناء على مصالحهم لكنها أخلاقية ومبررة في نظرهم.

هذا ما يجعل روايات كونديرا - وفالس الوداع إحداها - وكأنها درس فلسفي عميق بدون فلسفة. فقط باستخدام السخرية الشفافة، يجعل التساؤل الذي يخلق لديك وأنت تقرأ الرواية مطروحاً على الوجود بأكمله.

في حوار عادي يقول برتليف: "في هذا البلد لا يحترم الناس الصباح، إنهم يوقظون أنفسهم بفظاظة بواسطة منبه يقطع نومهم بضربة فأس ويستسلمون في الحال لسرعة مشؤومة. ويجعلك هذا الحوار تفكر فجأة في صباحاتك، وصباحات كل العالم، إلا من رحم ربي. وتفكر مع كونديرا "هل باستطاعتك أن تقول لي ما يمكن أن يكون عليه نهار يبدأ بهذا الفعل العنيف".

تنظر إلى العالم من حولك وتهز رأسك. نعم. كونديرا على حق، صباحات الإنسان هي التي تقرر طباعه.

تستمع إليهم يتحدثون، وتشاهد تصرفاتهم، وتستطيع أن تتعاطف معهم أو ألا تتعاطف معهم، لكن لا توجد شخصية بريئة، أو عملاقة، لا يوجد بطل خارق. الممرضة التي تريد أن تهرب من حياتها بالتشبث بحمل غير شرعي والموسيقار المشهور الذي يحب زوجته ويخونها كلما سنحت له الفرصة والزوجة المخلصة الغيور، والمناضل السابق والطبيب الذي يساعد الجميع بطرق ليست دائماً مستقيمة، والثري الذي يسكن في الفندق ويستمع إلى الجميع، كل الشخصيات غاية في الغرابة قد تعتقد في البداية، لكن ذلك فقط لأننا نفكر بمثالية، والحقيقة إذا أردنا أن نكتب شخصياتنا في الحياة، بتجرد وبدون أن نخدع أنفسنا، وبشيء من السخرية والوضوح، سنكتشف أن شخصيات الرواية ليست بعيدة عن الواقع.

"معظم الناس يتحركون ضمن دائرة مثالية بين بيوتهم وعملهم. يعيشون في أرض مسالمة فيما وراء الخير والشر تفزعهم بصدق رؤية رجل يقتل. لكن يكفي في الوقت نفسه إخراجهم من تلك الأرض الهادئة ويصبحون قتلة دون أن يعرفوا كيف".

نحن قتلة، ولسنا بريئين تماماً رغم ادعاءاتنا.. علينا فقط أن نضع أنفسنا تحت المجهر لنتأكد من ذلك.