من تتمنى أن يفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية التي ستجرى بعد أيام بداية نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل؟ فالمرشحان الرئيسيان اللذان لن تخرج الرئاسة عنهما، هما الرئيس الحالي الجمهوري دونالد ترمب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن.

كنا في الماضي لا نهتم ولا نبالي كثيراً بالانتخابات الأميركية، والسبب في ذلك أن بوصلة موقفنا تحدده القضية الفلسطينية فقط لا غير. وبما أن كل المرشحين السابقين والحاليين والقادمين للرئاسة الأميركية يتنافسون على دعم وكسب رضا اللوبي المؤيد لإسرائيل بواشنطن، فقد كانت النتيجة بالنسبة لنا سيان، كنا نوفر على أنفسنا عناء التفكير أو التحليل أو خلق لوبي قد يساعد في تبني قضايانا العربية، وعلى رأسها فلسطين، لكننا آثرنا تجاهل الانتخابات الرئاسية الأميركية طيلة عقود لأن من سيأتي سيكون داعماً لإسرائيل وظالماً للحق الفلسطيني، أي أننا كنا نرى أميركا من خلال منظار القضية الفلسطينية وحسب، تماماً مثلما يرى الساسة الأميركيون منطقة الشرق الأوسط من خلال العيون الإسرائيلية.

تغير الوضع اليوم، فلم تعد القضية الفلسطينية بوصلتنا الوحيدة التي نحدد منها موقفاً أو أمنية من سيفوز بالانتخابات الأميركية. فلقد تعددت البوصلات، وتفرقت المصالح وتشتتت الاهتمامات، خصوصاً بعد أن تاهت البوصلة الفلسطينية ذاتها، فلم يعد هناك موقف فلسطيني موحد من مسألة الصراع مع إسرائيل، فمن إعلان أوسلو أن السلام "خيار إستراتيجي"، إلى موقف حماس بأن "الجهاد" قائم ومستمر لتحرير فلسطين- كل فلسطين- بمساعدة "حزب الله" والأسد وإيران وأردوغان.

ولم تعد فلسطين قضية الطفل السوري المشرد، ولا هي أولوية الطفل اليمني الذي يعيش الفقر والجوع والفاقة والحروب والموت، أو الشاب العراقي "المصخم" (يلفظ العراقيون السخام بالصاد)، ولا اللبناني "المعتر" الذي لا يجد لقمة يومه، ولا السوداني الذي فقد نصف بلاده بتنازل الإخوان عنها أثناء حكمهم لها، والتي غرقت في دماء الحروب الأهلية وتغرق هذه الأيام بفيضانات الأمطار والأنهار والأزمات الاقتصادية والحصار. والقائمة طويلة لشعوب عربية أنهكتها الحروب والديكتاتوريات البشعة وثقافة التخلف الديني المسيس.

إذن، تتعدد الأماني لمن سيكون سيداً للبيت الأبيض، وتتفاوت التمنيات، والتي لن تقدم ولن تؤخر في التأثير على نتائج الانتخابات، لكن دعونا نستعرض بعضاً منها على سبيل المثال لا الحصر.

العراقي الذي خرج في بغداد والبصرة والناصرية والنجف وكربلاء هاتفاً "إيران برا برا"، يتمنى- بلا شك- أن يبقى ترمب رئيساً، فهو الذي حد من تغول إيران ببلاده، وهو الذي كسر رأس حربتها الإيرانية- قاسم سليماني ومعاونه أبو مهدي المهندس.

كذلك السوري الذي هاجر أو نزح أو فقد حريته بعد ما فقد كل شيء، فيرى أن ترمب أفضل له من نائب أوباما الذي خط خطوطاً حمراء للنظام السوري سرعان ما اصفر لونها متلوثاً بالكلور الذي ألقي بالبراميل المتفجرة على رؤوس المدنيين في المدن السورية، وراح تهديد رئيسه- أوباما- كلاماً في الهواء السوري غير الطلق بسبب الغازات وأسلحة الدمار الشامل.

وأما الإيراني الذي يقبع في سجن نيفين بطهران لأنه تظاهر ضد النظام، فيود لو استمر ترمب في كرسي الرئاسة حتى يشدد الخناق على النظام الإيراني وربما يعمل على إزاحته.

والخليجي العربي الذي يمد يد التعاون باستمرار لنظام الملالي بإيران، ليلقى بشاشة الابتسامات وخبث السياسات، فيرغب بالطبع بألا يأتي معاون أوباما بالأمس رئيساً لأميركا غداً، فلقد عاون أوباما النظام في طهران وألقى لهم بطوق النجاة بتوقيع اتفاق نووي يؤجل حصولهم على القنبلة النووية، في مقابل رفع الحصار عن النظام وإطلاق يده في منطقة الشرق الأوسط بتمويل أميركي ببلايين الدولارات عداً ونقداً.

وفي اليمن مأساة تجاوزت في بشاعتها كل مآسينا، وهي أولوية خليجية تسبق في ضرورة التعامل معها وإنقاذ شعبها، أي أولوية أخرى، ولا أظن الأطفال الذين يئنون من الأمراض والمجاعة مهتمون كثيراً بمن يفوز في واشنطن: ترمب أم بايدين!

الفلسطيني وحده هو الذي سيرى الأمر سيان، فلا جو بايدن سيعيد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، ولا دونالد ترمب سيقدم للفسطيني أكثر من "خطة السلام"، ولم يبق لديه من الأوراق الإقليمية العربية كثيراً، بعد ما وقفت قياداته مع النظام السوري الذي شرد وقتل من شعبه أضعاف من قتلتهم وشردتهم إسرائيل من الفلسطينيين. وحليف القيادات الفلسطينية اليوم هو نظام أردوغان الذي يحتل شمال سوريا، وينتهك شمال العراق، ويحارب بالسوريين في ليبيا، ثم بأذربيجان ضد الأرمن، ويعادي مصر والسعودية. كما تقف القيادات الفلسطينية اليوم مع نظام الملالي بطهران الذي يساوم بقضيته وهو ينكل بالعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين، ولسان حال هذه الشعوب يصرخ "إيران برا برا"!

تعددت البوصلات وتغيرت الأولويات، فتاهت الآمال والأمنيات، لكل همه في هذا الشرق المنكوب، وما زال بيننا من يتكلم بصيغة الجمع، فيقول أحدهم "نحن من مصلحتنا أن يفوز بايدن"! ويختلف معه آخر "بل نحن من مصلحتنا أن يفوز ترمب". لا أدري من يقصد هؤلاء بضمير المتكلم الجمع "نحن" فمن نحن؟

"تراهم جميعاً وقلوبهم شتى".