لا أجد من الحصافة الاستجابة لمحاولة أستاذ التاريخ في جامعة الكويت عبدالهادي العجمي في جر البعض الى فخ الجدل العقيم، والخلافات الاجتماعية وربما تصدع جدار الوحدة الوطنية، بعد تناوله لمزاعم غير صحيحة مضموناً وسرداً، كما وردت ضمن سياق إحدى المنصات الالكترونية التلفزيونية لصحيفة القبس حول تمييز مزعوم ضد أحد مكونات المجتمع الكويتي.

فالكويت نهضت وتطورت سياسياً وثقافياً واجتماعياً واقتصادياً بفضل سواعد أهلها من كل أطياف وشرائح الشعب وفئاته من الإمارة الى الاستقلال وحتى التاريخ الحالي.

لعله مفيد التنويه الى أن كلمة «بدو» تطلق على الجماعات الرُّحل في الصحراء، أي انهم غير مستقرين في موقع واحد، بينما الشعب الكويتي بكل طوائفه وفئاته هم في الواقع مواطنون كويتيون بصرف النظر عن أصولهم وجذورهم ومواقعهم الجغرافية داخل الكويت، فليس بينهم فرق بالعرق والطائفة والدين كما يتوهم البعض، ويتشوق آخرون الى افتعال اشتباك غير علمي، وهو أمر يستوجب اليقظة والحذر.

هناك الكثير من التحفظات التاريخية، التي يمكن التطرق اليها سواء بالنسبة لحدود الكويت او حتى فيما يتعلق بأملاك لعوائل كويتية وحجم تضررها قبل نشأة الكويت وفي مراحل لاحقة ايضا، ولكن المصلحة الوطنية والحصافة السياسية تقتضيان حصر المعرفة والتوثيق والتحقيق فيها وليس النزاع حولها وعليها، وخصوصا ممن يدعي المعرفة والعلم بالتاريخ.

إننا بحاجة ملحة للغاية لترشيد الخطاب الإعلامي والحوار، حفاظاً على قيم اجتماعية راسخة وعدم المساس بقانون الوحدة الوطنية، وهو ما يتطلب الحذر الشديد من الجميع تعبيراً وفعلاً، من دون سوء استغلال حرية الرأي والتعبير، التي كفلها دستور الكويت على نحو غير حكيم.

ببالغ الأهمية، استحضر هنا مقولة ذات قيمة وطنية ومهنية إعلامية لأحد ملاك صحيفة القبس العم الراحل محمد يوسف النصف رحمه الله، الذي قال إن «القبس لقرائها وليست لأصحابها»، تأكيداً على قناعة ونهج حرص عليهما السادة ملاك القبس، وهم جميعهم من عوائل تجارية معروفة، ولهم باع في العمل السياسي التاريخي.

فقد رسخت في يقيني منذ ثلاثة عقود هذه المقولة، وسبق تناولها ضمن مقال سابق في عام 2014 تعبيراً عن المسؤولية الوطنية على القبس، وعلي ايضا كأحد كتاب القبس منذ مطلع التسعينيات، وقد حظي المقال بالنشر، من دون تعديل أو تأجيل أو تحفظ يذكر من قبل السادة أعضاء مجلس ادارة القبس أو الأخ الفاضل رئيس التحرير وليد النصف.

انطلق من هذه المقولة، للتعبير مجدداً عن رأي من زاوية حديثة تتعلق بالحوار المسجل مع د. عبدالهادي العجمي.

فالبرامج المسجلة تسمح في تصحيح المضمون وإعادة تحرير المادة والتسجيل كلما اقتضت الحاجة وكانت ملحة مهنياً وموضوعاً.

كما أن البرامج الحوارية العميقة تقتضي أن تدار من فريق عمل متمكن على أن يكون الفريق بمستوى موضوع البرنامج وضيوفه، فمثل هذه البرامج لا تقوم فقط على من يدير الحوار بشخصه، وإنما على فريق الإعداد ومن يقف خلف كواليس الكاميرا والتسجيل في الاستوديو لتقديم المساعدة المهنية لمن يدير ويقدم البرامج Anchor.

هذا لا يعني التقليل من خبرات الشباب الواعدة في تحقيق الاهداف المنشودة من التحول الرقمي في برامج القبس وخططها، ولكن لابد من الانتباه الى من قد يسعى الى نصرة وإشاعة افكار تتضمن تشويهاً وتحريفاً للتاريخ وبالتالي تفتيت مكونات نسيج المجتمع الكويتي.

وأود أن أشير الى قضية عامة تتصل بمفاهيم قبلية وعلاقات اجتماعية وعوامل أخرى تجعل المهمة الإعلامية شائكة ومحفوفة بالمحاذير، وهو ما يستدعي التدقيق في المادة الإعلامية وتقييمها من أكثر من زاوية، حفاظاً على عدم شيوع ثقافة الاستسلام لآراء مغلوطة وحقائق مشوهة.