عادت دورة الكراهية في التصاعد بعدما حدث في فرنسا، حين تعمَّد مدرس تاريخ فرنسي في إثارة مشاعر المسلمين من خلال نشر رسوم تسيئ للرسول صلى الله عليه وسلم، وأعطت ردة فعل من خلال الذبح للمعلم فرصة لا تعوض لأولئك الذين يروجون أن من أركان ممارسة الحرية مهاجمة مشاعر المسلمين الذين لا يؤمنون بهذه الحريات على الطرف الآخر من المتوسط.

بالفعل تحوَّل المعلم «باتي» كما يطلقون عليه إلى رمز لحرية التعبير في فرنسا. وفي حفل تأبينه قال الرئيس ماكرون «إن باتي قُتل لأنّه كان يجسِّد قيم الجمهورية»، مؤكداً أنّ بلاده لن تتخلى «عن رسوم الكاريكاتور»، وفي ذلك تحول كبير في مبدأ علمانية الدولة الفرنسية.

إذ تعد علمانية الدولة كما هو معلن أمراً محورياً بالنسبة للهوية الوطنية في فرنسا، وهي على نفس درجة أهمية مفاهيم الحرية والمساواة والإخاء، التي تمثل شعارات الثورة الفرنسية، وتنص علمانية الدولة على أن الحيز العام سواء كان فصولاً دراسية أو أماكن عمل أو وزارات ينبغي أن يكون خالياً من الدين.

لكن شعار الديك الفرنسي يرمز في حقيقة الأمر إلى عمق الأصالة وجذور الدولة القديمة، وبينما وجد الديك من أعداء فرنسا استهزاءً بالغًا، قابله اعتزاز وفخر من الشعب الفرنسي على مدار العصور، وبعيدًا عن أصالته كتراث، فإن الديك له قيمة رمزية كبيرة، فصياحه حسب قناعاتهم كل صباح يعبِّر عن انتصار الخير على الشر والنور على الظلام.

الديك يرمز إلى الدولة العميقة في فرنسا، وأنها لا تزال تعمل وتخطط لإجلاء أعداء الجمهورية، فوجود ستة ملايين فرنسي يشكل عامل خطر على مسيحية الدولة العميقة، وتحتاج فرنسا مثل هذه الإساءات المنظمة للرموز المقدسة عند المسلمين لتنفيذ أهدافها، بينما تنص قوانين الدولة العلمانية على قدسية الأقلية اليهودية ومحرقتهم، فإنكار المحرقة يعد عملاً مخالفاً للقانون، وهو ما يخالف أيضًا مبدأ علمانية الدولة..

في جانب آخر لا يزال الغضب الإسلامي المتطرف يسهم في إسهال مهمة الدولة العميقة في فرنسا، من خلال ردة فعل متوحشة، لا يقرها الدين الإسلامي، فكان من الأنسب استغلال الإساءات من أجل إصدار قوانين تمنع عدم التعدي والاستهزاء والسخرية بالرموز المقدسة في مختلف الأديان..

أحياناً أتساءل لماذا يريد بعض المتطرفين الإسلاميين إلصاق الجرائم المتوحشة بالدين العظيم، وهو منها براء، ومن أين جاءت هذه الدموية، فالمناهج في المدارس تنص أن الإسلام دين الرحمة والتسامح، ولكن هل يوجد مناهج أخرى تُدرس في الغرف المظلمة خارج المدارس، لكن الإجابات تختفي بمجرد أن تضع النعامة رأسها في الرمل الساخن!

أدرك جيداً أن الإرث الإسلامي الواسع يحفل بمختلف وجهات النظر، وقد يستدعي المسلم أياً منهم لتلبية رغبته في الانتقام، ويدل ذلك على وجود قيم فوضوية وغير منهجية، تسكن عقل المسلم، فهو لم يتخلص إلى اليوم من فكرة العنف والانتقام الدموي المتوحش، والتي لم تعد من قيم التعامل الإنساني في المجتمعات، ويجب نبذها وإتباع الموعظة الحسنة، والمطالبة بحقوق عدم التعدي على الرموز من خلال القانون، بدلاً من هذه الأفعال المشينة والدموية..

قد تؤدي مثل هذه الأفعال المشينة على ضرر كبير على الجاليات المسلمة في أوروبا، وعلينا أن ندرك أن أجواء الحرية ساهمت في نشر الإسلام بينهم، بينما ترفض العقلية الإسلامية في جنوب المتوسط هذه الحرية على وجه التحديد، وهو ما يعني أن الأوربيين قد يراجعون مفاهيم الحرية وتأثيراتها على النسيج الأوروبي، فهل المشهد من خلال هذه الزاوية واضح، أم نكتفي برد النعامة الشهير! كلما رُفعت علامة استفهام جديدة؟..