قد تشهد صناعة البلاستيك والبتروكيماويات اختراقات تكنولوجية كبيرة، حيث يتوقع العلماء إنتاج غاز الهيدروجين من النفايات البلاستيكية على نطاق واسع "صناعي". لقد ظلت رقعة النفايات الكبيرة في المحيط الهادي تشكل هاجسا كبيرا منذ اكتشافها منذ أكثر من 30 عاما. حيث إن هذه الرقعة تحوي حطاما بحريا ضعف حجم ولاية تكساس. لكن، قبل ثلاثة أعوام فقط أعلن برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن التلوث البلاستيكي مشكلة بيئية ضخمة على مستوى العالم.
وهذا العام 2020 كان من المفترض أن يدخل التاريخ باعتباره العام الذي بدأنا فيه حقا التحول بعيدا عن البلاستيك. لكن الأمر لم يحدث كما كان مخططا له. حيث إن الحكومات واجهت جائحة انتشرت عبر العالم، كما أن صناعة البلاستيك راسخة أكثر مما كان متوقعا. بالفعل، لقد وفرت جائحة كورونا الوقت للصناعة للرد على حظر استخدام البلاستيك. في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تم تخفيف القوانين والغرامات المتعلقة بنفايات البلاستيك. لكن، في النهاية ربما لن يعود الأمر مهما حقا، وذلك بفضل العلماء الذين توصلوا إلى طريقة لكبح خطر النفايات البلاستيكية. حيث طورت مجموعة من الباحثين من المملكة المتحدة، والصين والمملكة تقنية جديدة للتخلص من هذه النفايات وذلك بتحويلها إلى غاز هيدروجين وكربون صلب عالي الجودة عن طريق استخدام نوع جديد من التحفيز الكيميائي، يعتمد على الموجات الدقيقة "موجات الميكروويف" التي تنشط جزيئات الوسيط المحفز فتعمل على نزع الهيدروجين بصورة فعالة من البوليمرات. حيث يسمح استخدام الموجات الدقيقة بتسخين العوامل المساعدة "المحفز" دون تسخين البلاستيك مع تسخين البلاستيك عرضيا بواسطة تلك المحفزات. ويقول العلماء: إن هذا الأسلوب يمنع التفاعلات الجانبية غير المرغوب فيها، ما يجعل العملية أكثر كفاءة ويقلل استهلاك الطاقة لأن البلاستيك لا يمتص الموجات الدقيقة.
ويقر الباحثون بأنه ليس لديهم أي فكرة بعد عما إذا كانت تقنيتهم يمكن أن تعمل على نطاق صناعي. ومع ذلك، فإن نتائجهم مثيرة للإعجاب: استغرقت عملية التحويل 30 - 90 ثانية فقط وأسفرت عن معدل استرداد 97 في المائة من الهيدروجين الموجود في البلاستيك في وقت قصير جدا، وبتكلفة منخفضة، دون أي انبعاثات مضرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وفي الوقت نفسه، كانت الأنابيب النانوية الكربونية ذات جودة عالية ويمكن استخدامها في تطبيقات أخرى. لاحظ الباحثون أن الموجات الدقيقة تستخدم بنجاح في تطبيقات على نطاق صناعي، ما يعني أن هناك فرصة جيدة لتطبيق تقنيتهم أيضا على نطاق واسع.
لقد كانت طفرة موارد الصخر الزيتي بمنزلة طفرة للبلاستيك أيضا، لأنها أوجدت دعما كبيرا للوقود الأحفوري الرخيص لتصنيع البلاستيك. ومنذ ذلك الحين، كانت صناعة البلاستيك تغازل صناعة البتروكيماويات للحصول على مزيد من النفوذ. في الواقع، تجاهلت صناعة البلاستيك تماما الاتجاه المتصاعد الذي يركز على الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الذي شهد تحول استثمارات كبيرة بعيدا عن الوقود الأحفوري. ولا يبدو أنها قلقة على الإطلاق من شبح سحب الاستثمارات الكبيرة.
ففي آسيا، ليس هناك ما يمنع التفوق المطلق للبلاستيك. إن منتجي النفط الآسيويين بقيادة الصين في طريقهم إلى بناء وتوسيع مصافي التكرير التي يمكن أن تنتج البتروكيماويات بمعدلات هائلة، وفقا لـ "بلومبيرج". بحلول عام 2025، تخطط الصين لإضافة 1.6 مليون برميل في اليوم أخرى إلى مصافيها البتروكيماوية. هناك الهند أيضا، حيث إن شركة ريلاينس للصناعات Reliance Industries الهندية تتوسع في البتروكيماويات بقوة، حيث تضاعفت طاقاتها الإنتاجية في بضعة أعوام فقط.
على مدى الأعوام الأربعة المقبلة، من المتوقع أن تظهر سلسلة من مصافي التكرير العملاقة في آسيا وجميعها ستغذي صناعة البتروكيماويات لإنتاج البلاستيك بثمن رخيص. على مدى الأعوام السبعة المقبلة، سيكون أكثر من 50 في المائة من طاقة التكرير العالمية الجديدة للبتروكيماويات في آسيا. ومن هذه الطاقات الجديدة، سيركز ما يصل إلى 80 في المائة على البتروكيماويات لإنتاج البلاستيك. الوضع الآخر الذي يدعم صناعة البتروكيماويات هو الطلب. على عكس توقعات الطلب على النفط، بفضل صناعة البلاستيك، لا تعاني صناعة البتروكيماويات. ليس ذلك فحسب، بل إن الطلب على البتروكيماويات قد ينتهي به الأمر إلى أن يكون المحرك الرئيس الذي يوفر الطلب على النفط الخام. حيث تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن صناعة البتروكيماويات ستمثل أكثر من ثلث نمو الطلب العالمي على النفط على مدى العقد المقبل. حتى عام 2050، يمكن أن تمثل ما يقرب من نصف نمو الطلب على النفط.
لكن بالعودة إلى الولايات المتحدة، فإن مستقبل صناعة البلاستيك أقل تأكيدا، بغض النظر عن تداعيات الوباء. صحيح أن تراجع إدارة ترمب الأخيرة عن قوانين وكالة حماية البيئة التي شرعت في عهد أوباما ساعد على دعم صناعة البلاستيك. من الصحيح أيضا أن الأسعار تستمر في جعل البلاستيك مربحا للجميع على الأقل عندما يتعلق الأمر بالاقتصاد الفوري. إلا أن المواد البلاستيكية في هذا الجزء من العالم ستواجه ضغوطا كبيرة. الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، أو تأثير التوجه الضخم للاستثمار سيلحق الضرر بها عاجلا وليس آجلا. كما أن الوباء أعطى مزيدا من الزخم للمخاوف البيئية. لن يكون البلاستيك قادرا على ركوب زخم النظافة الوبائية لفترة طويلة لأن شيئا ما قد يتغير.
هذا العام في الولايات المتحدة هو عام انتخابات، حيث الفائز يغير كل الموازين. بالنسبة للبلاستيك إما سيكون حاضرا بقوة وإما غائبا تماما. إذا فاز الرئيس ترمب، يمكن للصناعة أن تتوقع مزيدا من التساهل، لكن الضغط سيستمر في التصاعد من الأموال الكبيرة التي تركز على الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. إذا فاز بايدن، فقد أعلن بالفعل أنه يجب التخلص التدريجي من البلاستيك.
في كلتا الحالتين، يبدو أن الفرصة الوحيدة لاختفاء هذا الجبل من القمامة البلاستيكية الذي يطارد المحيطات يمكن العثور عليها في اختراق تكنولوجي جديد يمكن أن يحول كل شيء إلى هيدروجين ومواد مفيدة أخرى، وهو أهم شيء على رادار مستثمري الطاقة في الوقت الحالي.