كل دينار أهدر، وكل فلس تأخر سداده، وكل حق لم يسترد، وكل مال تم صرفه للأموات أو لغير المستحقين.. لا بد أن يواجه بالإجراء القانوني، وضمان عدم تكراره.. فلقد شبعنا من قراءة وسماع عبارة (عدم تكرار التجاوزات) ولكن يبدو أن (التجاوزات) لا تريد أن تتركنا.

وإلا فما معنى كل تلك الملاحظات والتجاوزات والأخطاء والهدر، التي أصبح يقرأها المواطن اليوم ليبحث عن «أغرب خبر»، أو تعليق «صدق أو لا تصدق»، أو حكاية «لا تحدث إلا في البحرين».

من المؤسف أنه بعد نشر الصحافة والوسائل الإعلامية ملاحظات تقرير ديوان الرقابة، بدأت تتسابق الجهات الرسمية والوزارات لتنشر ردودها وتعقيباتها، لتفند كل ما جاء في التقرير، وكأنها تقول عفوا لا تصدقوا تقرير الرقابة، أو في أقل تقدير لا تصدقوا ما أثارته الصحافة والإعلام..!!

من يصدق أنه بعد دقائق من نشر ملاحظات تأخر هيئة الكهرباء والماء عن تحصيل المتأخرات، بأن تقوم الهيئة، وكي تبين أنها لم تقصر في دورها بأن تعمم رسالة على البريد الالكتروني والعناوين للناس والمشتركين وتقول لهم: «عزيزي المشترك، نرجو المبادرة بسداد المتأخرات الشهرية لحساب الكهرباء والماء (إن وجدت) تلقائيا لتراكمها».. وكأن الهيئة صامت ثم قامت وعممت على المعني وغير المعني، إبراء للذمة وردا على تقرير الرقابة..!!

في كل تقرير لديوان الرقابة المالية والإدارية من كل عام، تكون هناك ملاحظات أو أخبار أو تجاوزات تندرج تحت سياق «غرائب الطرائف»، وهذا العام يبدو أن صرف الأموال للأموات، هو «الفتنك الجديد»..!! ناهيك عن مواضيع أخرى قريبة ومشابهة.

لقد تجاوز الأمر وقوع مخالفات كتبها تقرير الرقابة وكفى، كما تعدى الموضوع ملاحظات سجلها التقرير فحسب، لقد وصلنا إلى درجة أن نضحك على المخالفات والملاحظات والتجاوزات.. هناك تنافس في تدوين أغرب الطرائف لهذه الأمور..!! هذه مسألة تعكس جانبا من سوء إداري في بعض جهات وبعض إجراءات، لعل أبرزها غياب التنسيق بين الوزارات، الترابط الإلكتروني بينها.

هناك خلل لا بد أن نعترف بوجوده أولا، ثم نعترف بإصلاحه.. حالة التبسيط والرد والتعقيب والإنكار لن تفيد تطوير الأداء الحكومي.. حالة الحرص على عدم كشف المستور للرأي العام، والخوف من «زقرة» الإدارة العليا التنفيذية أمر لا يفيد الوطن والمواطن.. حتى وإن تم تشكيل لجان رسمية أو غيرها.. تكرار ذات الأخطاء أو استحداث ملاحظات و«بلاوي» جديدة في كل سنة ومع كل تقرير، يشير الى أننا في سباق مع شكل من أشكال التقصير، ولن أقول الفساد والإهمال.

هناك فجوة بين رأس الهرم في بعض المؤسسات والوزارات مع الإدارة الوسطى والإدارة التنفيذية، قد يكون المسؤول الأول في الوزارة أو المؤسسة حريص على عدم وقوع الأخطاء وقام بتوجيه من هم تحته، ولكن هل وصلت التعليمات بذات الحرص إلى الإدارة المنفذة، وإلى أصغر موظف.. هناك خلل لا بد من معرفته والتفتيش عنه وإصلاحه، وضمان عدم تغلغله وتسربه من جديد.

من المؤسف أن أقول أن استمرار الوضع سنويا على هذا الحال، والمتمثل في تقرير ينشر، وملاحظات تذكر، وتعليقات تصدر، واستياء من الرأي العام يبدر، يستوجب منا أن نعيد النظر برمته في آلية عمل ورصد منهجية الرقابة، وهل ينفع أن تكون كل ثلاثة أشهر أو نصف سنوية لإصلاح ما يمكن إصلاحه قبل أن ننتظر إلى نهاية العام لنقرأ ونتابع «غرائب الطرائف».. الوضع لم يعد يحتمل.. وجائحة كورونا لم تعد تطاق..!!