قد يقودنا التفكير الإيجابي إلى السعادة إذا عملنا من أجلها بالمبادرات الذاتية، دروس نستنبطها من رائد علم النفس الإيجابي البروفيسور الأمريكي مارتن سليجمان الذي وجد هذا العلم على يديه مكانة راسخة في تسعينات القرن الماضي، وهو عِلم مستحدث يركّز على الوسائل والطرق التي توصل البشر إلى الصحة والسعادة. ولكن لماذا الصحة أيضاً بجانب السعادة؟ لأن السعادة لا تكتمل إلا بالصحة، فنحن لا نكون سعداء إذا كنّا مرضى نفسيًا وجسديًا، وفي هذه الحياة المليئة بالآلام والأسقام والضغوط النفسية نحن معرّضون لأمراض العصر التي تأتينا من كل اتجاه فتعكّر صفوعيشنا، وتسلب منا الطمأنينة وتعطينا القلق الدائم، كما إننا من جهة أخرى معرضون للأمراض النفسية كالكآبة الواسعة الانتشار في العصر الحديث.

وعندما تواجهنا المشاكل والمصاعب والمصائب لن نستطيع تخطيها إلا بالتفكير الإيجابي، ولكن نسأل هل نستطيع أن نذهب إلى التفكير الإيجابي عندما نتعرض لعوارض غير إيجابية؟ السؤال منطقي كما أعتقد، وكلنا نعرف أن العراقيل والمصاعب والمعاناة ستقودنا تلقائيًا إلى الأفكار السلبية، والعكس صحيح، لكن الاعتقاد السائد بأننا لا نستطيع التحكم في أفكارنا السلبية أو التقليل منها سيقطع علينا حبل المحاولة لتخطي العقبات وتجاوز المشكلات، لأننا نسلّم قيادنا للأمر الواقع، لكن الأمريكي مارتن سليجمان بروفيسور ومؤسس علم النفس الإيجابي يقول شيئاً آخر مختلف، ويورد ذلك في كتابه: (تعلّم التفاؤل)، فهل نستطيع أولاً أن نتعلم التفاؤل؟ وهل هناك إمكانية للنجاح في دروس التفاؤل؟

يوضح البروفيسورمارتن سليجمان فكرته قائلاً: (إن التفاؤل يمكن تعلمه فنحن لسنا متفائلين بالفطرة أو متشائمين بالفطرة)، فماذا يقصد هو بهذا التفسير؟ في نظريته الجديدة يوضح سليجمان الذي كان يرأس في تسعينات القرن الماضي جمعية علماء النفس في أمريكا، دور الإرادة الذاتية وتأثيرها في حالة التفاؤل والتشاؤم عند البشر، ويرشدنا إلى تعلّم الطرق الصحيحة لترجيح الأفكار الإيجابية وصد الأفكار السلبية وإبعادها بقدر المستطاع، وبذلك نستطيع اجتياز أسوارالتفكير السلبي ورفع منسوب التفكير الإيجابي. وحسب مارتن سليجمان أيضًا نحن نستطيع فعل ذلك مع الوقت، يقول في هذا الخصوص: (إذا نجحنا في تخفيف المشاعر السلبية فهذا إنجاز في حد ذاته) فعندما نكون في حالة يأس، لا يجب أن نسلم تسليمًا قدريًا بعجزنا عن تحريك ساكن المشكلة ومواجهة الأفكار السلبية التي تهاجمنا بقوة منذ البداية، وأصعب مراحل المشكلة أو المصيبة هي البداية التي تفاجؤنا في المرحلة الأولى فنفقد الثبات والتوازن، لكننا يجب أن نعمل على إمتصاص الصدمة بتحفيز قدراتنا الذاتية، ونحتاج في تلك اللحظات الحرجة إلى التفكير الإيجابي الذي حسب سليجمان سيخفف المشاعر السلبية أويقضي عليها.

لكن كيف نتعلم التفاؤل والتفكير الإيجابي الذي يدعو إليه سليجمان؟ بلا شك لن يحدث ذلك بين يومٍ وليلة، فتعلم الطباع الجديدة يحتاج إلى وقت طويل وتدرّب، ومن شب على شيء شاب عليه، ومن تعوّد على التفكير السلبي والتشاؤم سنوات طويلة لن يستطيع التخلص منها في فترة قصيرة. ويلاحظ سليجمان أن الناس الذين يلتقونه يهتمون بعلم النفس الإيجابي، وسبب ذلك كما أعتقد أن جميع من يعيشون في هذا العصر القلق الذي تكثر فيه المحبطات والمشاكل الحياتية المتعددة، لديهم مشاعر سلبية، وبالتالي فنحن أحوج ما نكون للتفكير الإيجابي، الذي حسب سليجمان يحتاج إلى المبادرة الذاتية، وسيستلزم ذلك حسب سليجمان تغيير طريقة تفكيرنا السلبية، وتحويلها في الطريق الصحيح المقابل لنتخلص من عناء المعاناة، لكن هل ما يزعمه سليجمان هو كلام نظري لا يصمد أمام أمور الحياة العصرية التي تتناسل فيها المشاكل كل الوقت أم أن ما يزعمه ممكن؟

لقد واجه سليجمان الكثير من المختلفين معه في البداية، لكن هناك كثيرون أيدوا نظرياته الإيجابية، ودعونا نسمع رأي شخص جرب اتباع أفكار ونصائح سليجمان، يقول الكاتب والباحث محمد النقيمش في مقال نشره في صحيفة عربية: (لقد اطّلعتُ على كم هائل من أبحاث علم النفس الإيجابي بصفتي باحثًا وكاتبًا ووجدت تأثيرًا عظيمًا على تفكيري ونفسيتي وعلاقاتي).