إلى أين تتجه محادثات اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، التي عقدت بجنيف بشأن ليبيا؟ هل فعلاً سيتم إخراج المرتزقة؟ ولماذا انزعج رجب أردوغان من الاتفاق؟! وما هو مصير النفوذ التركي في ظل إرادة نحو تنفيذ الاتفاق على أرض الواقع؟!

وهل خروج فايز السراج من المعادلة الليبية سيقود المشهد إلى مزيد من الاستقرار؟ علامات استفهام عديدة تطرح نفسها بقوة في الشارع الليبي، فور أن أعلنت ستيفاني ويليامز نجاح المفاوضات بين الطرفين، وإقرار وقف إطلاق النار بشكل نهائي.

حتى هذه اللحظة نستطيع القول إن القضية الليبية تأخذ مساراً جاداً في سبيل الحلحلة السياسية، وتؤكد إرادة قوية لدى مختلف الأطراف لتحقيق السلام والاستقرار وعودة الدولة الليبية لدورها الطبيعي عربياً وإفريقياً.

ثمة مطبات لاحظناها في ردود الأفعال، تمثلت في رد الفعل السريع من الرئيس التركي، والذي نقلته قناة «تي آر تي عربي التركية»، واعتبر فيه أن اتفاق وقف إطلاق النار في ليبيا يعد أقل مستوى من الاتفاقيات السابقة.

وهنا علينا التوقف أمام الانزعاج الشديد للرئيس التركي من هذا الاتفاق، إذ إن أردوغان أدرك جدية الفرقاء الليبيين في لم الشمل، وبالتالي صار مهدداً بالخروج من المعادلة الليبية، وأن حلمه بالتوسع والعودة إلى ما أسماه «أملاك السلطان عبد الحميد الثاني»، بات وهماً كبيراً، هذا فضلاً عن خروج المرتزقة والميليشيات بمثابة ضربة قوية لإحدى أدوات أنقرة في نشر الفوضى والتخريب، بل ستكون انعكاساته السلبية أوسع على المشروع الأردوغاني، ليس فقط في ليبيا، بل في العراق وسوريا وناغورني قره باغ، وكل المناطق التي ينتقل إليها المرتزقة والميليشيات، وبالتالي فهو حريص على عرقلة هذا الاتفاق.

على الجانب الآخر، نجد أن القاهرة رحبت منذ اللحظة الأولى بالاتفاق، بوصفه إحدى الثمار التي خرجت بها اجتماعات عديدة، بدءاً من إعلان القاهرة يوم السادس من يونيو الماضي، وحتى اجتماعات الغردقة الأخيرة.

وهو ما يؤكد حرص القاهرة على وحدة وسلامة الأراضي الليبية، وحمايتها من الأطماع الخارجية، ومشروعات التقسيم.

وسط هذا الدعم الدولي الكبير لاتفاق جنيف، فإننا أمام مشهد يحتاج إلى العديد من الخطوات، لكي يتحول إلى واقع، أولى هذه الخطوات هي توفير الإرادة الحقيقية والقوية بين أبناء الشعب الليبي من أجل الوحدة والحفاظ على مقدرات الدولة وحماية أمنها القومي، وعدم السماح لأي قوى خارجية ببث الفتنة بينهم، وإعادة سيطرة الدولة على كافة المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية، مع تحمل الجيش الوطني مسؤولياته في مكافحة الإرهاب، وتأكيد دوره بالتعاون مع الأجهزة الأمنية والشرطية لحماية السيادة الليبية، واستعادة الأمن في المجال البحري والجوي والبري.

وقيام كل إقليم من الأقاليم الثلاثة بتشكيل مجمع انتخابي، يتم اختيار أعضائه من مجلسي النواب والدولة، الممثلين لكل إقليم، بجانب زعماء القبائل والأعيان، ومراعاة نسبة تمثيل مقبولة للمرأة والشباب والنخب من المثقفين والنقابات، وبموجب هذا البند، تجتمع اللجان الثلاث تحت رعاية الأمم المتحدة، ويتم التوافق عليها، ويتولى كل إقليم اختيار الممثل الخاص به، سواء بالتوافق أو بالانتخاب.

أيضاً يجب على مجلس الأمن والدول الأوروبية المعنية بالملف الليبي، الإشراف المباشر على تنفيذ بنود هذا الاتفاق، وقطع الطريق على تركيا، التي تسعى لإطالة أمد الأزمة، هذا فضلاً عن ضرورة التفاف الليبيين حول المصالحة الوطنية عبر الاستحقاقات الدستورية المقبلة، والإسراع في إنهاء الفترة الانتقالية، وصولاً إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وأن يكون رئيس المجلس الرئاسي الجديد الذي سيخلف السراج، يقف على مسافة واحدة من جميع الأطياف الليبية لتحقيق مزيد من الاستقرار.