يأتي افتتاح مسجد الجزائر المسمّى «جامع الجزائر الأعظم» عام 2020 في وقته تماماً.. ذلك أن المشروع المعماري الرائع، قد جاء ليحمل «المعنى» إلى جوار «المبنى».

على شاطئ البحر المتوسط، جرى تأسيس «جامع الجزائر» ليكون ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشرفين.

يتسع المسجد لما يصل إلى 4 أضعاف عدد سكان إمارة موناكو، إن ذلك الحجم الهائل، وتلك التصميمات المذهلة، وذلك الجمال الذي يغطي المكان، تتوازى معه رؤية رصينة للدور والرسالة.

تجمع مكونات المسجد جوانب متعددة للحضارة الإسلامية، فالجزء الداخلي جرى تزيينه بالطابع الأندلسي، وألوان السجاد الزرقاء تزدان برسومات زهرية تمثل الطابع التقليدي للجزائر، وكأن الأرض والجدران يشكلان معاً ذلك الالتقاء الإسلامي، ذات يوم، بين شمال إفريقيا وبلاد الأندلس.

يضم مسجد الجزائر مكتبة كبرى تضم أكثر من مليون كتاب في شتى مجالات المعرفة، وهي بذلك صرح ثقافي كبير على ضفاف البحر الذي يصل الشاطئ الجزائري بالشاطئ الأوروبي، وكأن المكتبة الجزائرية رسالة إلى ما يجب أن يكون، حيث قضايا الفكر وليست مشكلات الهجرة.. هي ما يجب أن يكون عنواناً للمستقبل.

ثمّة مركز أبحاث لتاريخ الجزائر، وقاعة محاضرات كبرى ضمن منشآت الجامع الأعظم، وهي رسالة أخرى تشير إلى تلك الصلة الحاصلة والواجبة بين «الدين» و«الوطنية»، فأن تكون مسلماً لا يعني أن يكون إسلامك نقيضاً لوطنيتك، بل إن الإسلام يؤكد على احترام الوطن والمواطنة.

وعلى ذلك، فإن التعريف والتأصيل لتاريخ الجزائر المجيد لا يتعارض مع الانتماء للدين، فالإسلام والوطنية صنوان لا نقيضان.

ضمن مسجد الجزائر، أيضاً، حديقة ساحرة ومحال تجارية، وهي رسالة تُضاف إلى ما سبق من رسائل، فالترفيه والتجارة والكسب كلها من أعمال المسلم المتوازن، ذلك الذي يوازن بين واجبات الدين وحقائق الحياة، ذلك الذي يدرك أن الاقتصاد هو جوهر السياسة، وأن الرخاء هو جوهر الحضارة.

لقد كان الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حكيماً، حين قرر تشكيل لجنة رفيعة المستوى للإشراف على الصرح الديني الكبير، كما كان بيان جمعية العلماء المسلمين الجزائرية، وهى جمعية مرموقة ذات تاريخ مشرّف، بأن رسالة المسجد هي محاربة أشكال التطرف كافة، بمثابة الرسالة الأكبر للجامع الأعظم.

إن الجزائر بلد عظيم، والشعب الجزائري الذي خاض حرباً طويلة ضد الاستعمار، ثم حرباً أخرى ضد الإرهاب، يدرك أن المستقبل يجب أن يكون وطنياً ومعتدلاً، لا مكان فيه لثقافة الاستعمار أو ثقافة الإرهاب، وتدرك الجزائر التي قدمت أكثر من 7 ملايين من الشهداء في كل عقود الاستعمار، ثم قدمت قامات فكرية عالمية رفيعة بوزن الشيخ عبدالحميد بن باديس، والفيلسوف مالك بن نبي، وغيرهم نخبة عريضة من العلماء الوطنيين المعتدلين.. تدرك أن خريطة طريق الجزائر وللأمة كلها هي ذلك التصالح بين المسجد والمعرفة، وبين الإسلام والحداثة.