تعتبر مقالات الرأي أحد المصادر الاساسية للتعرف على اتجاهات الرأي العام، أي صوت شرائح وفئات الشعوب والتكتلات السياسية والفكرية في كل نواحي العالم، تجاه شتى القضايا والمستجدات والتطورات المتسارعة سياسياً على نحو خاص.

فمن أركان المقالات، يمكن تلمس صوت الأقليات والأغلبية أو حتى المتشرذمة والمنقسمة على بعضها سياسياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً، ويمكن ايضا معرفة حجم عدم الحياد والانحياز المتغلغل إعلامياً بين مجاميع اجتماعية او تكتلات سياسية، بصرف النظر عن طبيعتهم وأهدافهم، فليس في الإعلام قاعدة واحدة ثابتة، بل هناك مصالح فردية وجماعية ضيقة ذات غايات غير قومية تتحكم في القواعد المهنية، لذلك ليس هناك إعلام محايد، وهي قاعدة علمية ومهنية، وكثيرا ما تستغل على نحو غير بناء.

فمن الصعب جدا، إن لم يكن مستحيلاً، أن يقوم هناك مشروع إعلامي غير محايد، مهما كانت طبيعة الملكية وتوجهات المالك او الملاك وبمختلف الجنسيات وفي شتى دول العالم، فترجيح ميزان التوجهات الوطنية لم يعد سهلاً، بل صراعاً شرساً قابلاً أن يتأثر في المحيط المالي للمشروع الاعلامي او عوامل اقتصادية وسياسية متنوعة.

وكذا الحال بالنسبة لكاتب المقال، حيث يواجه الكتّاب شتى التحديات في الثبات على الرأي والنهج، اعتماداً على القوة الذاتية الفكرية لكل شخص وتوجهاته الهادفة او العبثية، خصوصاً حين يفقد صدى المقال والرأي الحصيف حيزا معقولا لدى أغلبية شعبية مستنيرة ومعقولة عددياً، أو جمهور محدود وقليل من المؤيدين.

صحافياً وثقافياً، الكتّاب هم مرايا الآراء المختلفة، ونافذة معبرة عن شتى المواقف والآراء وليس جميعها طبعا، فيما يسقط كتّاب آخرون طوعياً إلى الاستسلام للصوت الأعلى سياسياً واجتماعياً ودينياً، بحسب حجم تأثير ونفوذ اصحاب المال والتوجهات العقائدية والسياسية، حيث تعتبر الوسيلة الاعلامية المُسيرة هي الأقوى تأثيرا في جعل الكاتب يُقدّم المنفعة الشخصية على اخلاقيات العمل الاعلامي والفكري والقومي ككل.

بالتأكيد إن ما يتأثر به الكاتب طوعياً ونتيجة مصالح شخصية وضغوط غير مهنية من رأي وتعليق، سواء كان سلبياً أو ايجابياً، يؤثر حتمياً في صياغة الرأي العام والموقف الاجتماعي، وهو ما قد يقود الى إشاعة الفوضى وخلق اتباع ومناصرين لها، من دون أن يكون هناك مبرر مهني وواقعي وموضوعي.

اعتماداً على شخصية الكاتب وطبيعته واهتماماته وثباته الفكري المتحرر من أي وصاية خارجية، وهدفه السياسي وعمله المهني للكاتب والصحافي ايضا وكذلك للوسيلة الاعلامية، يمكن أن تترسخ التعددية الفكرية وغيرها، ويمكن أيضا أن يحصل العكس أي شيوع الفوضى بين العوام من الناس، وبالتالي تتحقق أهداف مسمومة بمشاريع تقسيم وتفتيت المجتمعات والشعوب.

حين تدب الفوضى وتشتعل نيرانها في الدول، يقتنص بعض الكتاب والصحافيين وعمالقة الاعلام المأجور لتأجيج وإشاعة المزيد من عدم الاستقرار السياسي لخلق هزات اقتصادية واجتماعية وإثارة الفتن والنعرات العرقية.

ليس من المستغرب أن ينزلق بعض كتّاب الرأي والصحافيين في بعض الاحيان في مثل هذه المستنقعات، ولكن حين يتكرر المشهد نفسه في معظم الظروف والتطورات يصبح مشروع اشاعة الفوضى مشروعاً سياسياً وعرقياً وعقائدياً وحزبياً، لاسيما في ظل وجود عقول غير ناضجة أساساً.

الوطن العربي بطبيعته منذ عقود تاريخية هو ساحة للصراعات الداخلية والخارجية، ولاشك أن نسيج المجتمع العربي كالعائلي والعرقي والديني يعتبر ساحة خصبة لذلك، والأهم بيئة حاضنة لمثيري الفوضى وأتباعها.

لابد من اليقظة والحذر الإعلامي من الاقلام التي تهوى الرقص بين السطور وعليها، فمن المفيد جدا التعلم من دروس التاريخ، فانهيار الاوطان وهدمها سهل جدا، ولكن النهوض فيها صعب للغاية، وقد يكون مستحيلا إعادة بناء النسيج الاجتماعي نفسه والكيان السياسي للدولة.

في هذه الايام حيث تشتد الحملات الانتخابية في الكويت واندفاع محموم من البعض الآخر لتلميع صورهم والتذكير بها من اجل دخول البوابة الوزارية، من خلال طرح المتواضع والسطحي تماشيا مع الفوضى المنشودة، لاسيما السامة والموالية للطرح الحكومي، حتى باتت بعض الصحف اليوم ومنصات التواصل الالكتروني هي النافذة لتحقيق تلك الغايات العبثية مقابل مكاسب تجارية بحتة، فمن الواجب ان يتعامل الاعلام الرسمي والخاص بحذر شديد مع كل ما يقال ويطرح تحت مظلة التحليل والتفسير والوعود الواهمة.

يظل العمل الاعلامي البناء والهادف مصدر إشاعة المعرفة والتنوير والتثقيف، وما احوجنا هذه الايام لصوت العقل ليعلو فوق اصوات الفوضى والعبث بمكتسبات دستورية.