قرار افتتاح الإمارات لقنصلية عامة في الصحراء المغربية «العيون» كأول دولة عربية تبادر إلى إنجازه، يحمل دلالات سياسية ودبلوماسية، يجب أن تُفهم في سياق تاريخ العلاقات الأخوية والودّية المميّزة التي كانت تجمعهما، لأن الرجوع تاريخياً إلى تفاصيل هذه العلاقات يؤكد أن هناك حبلاً سُرّياً متيناً ومناعة قوية يربطان البلدين، بالرغم من التشنّجات العابرة، التي يمكن أن تحدث في مسار هذه العلاقات، وهو أمر طبيعي يحدث بين الإخوة، بين الفينة والأخرى.

وعلى ضوء هذا الرابط التاريخي، نفهم هذه الخطوة التي تتزامن مع تخليد المغرب الذكرى 45 للمسيرة الخضراء في السادس من نوفمبر الجاري، وهو التاريخ الذي يذكّرنا بالمشاركة الوازنة للإمارات في هذه المسيرة، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وعمره آنذاك 14 عاماً.

ووعياً بالأساس التاريخي لهذه العلاقة الثنائية، أعرب الملك محمد السادس، أن قرار الإمارات «يجسد موقفها الثابت في الدفاع عن حقوق المغرب المشروعة وقضاياه العادلة، ووقوفها الدائم إلى جانبه في مختلف المحافل الجهوية والدولية».

ويحمل هذا القرار بعداً سياسياً يثبت أن العلاقة المغربية ـ الإماراتية موثّقة برباط تاريخي لا يمكن أن تنفصم عراه، كما راحت كثير من التخمينات، وهي تضرب الأخماس في الأسداس، بمبالغتها في قراءة الأجواء الأخيرة التي هيمنت على هذه العلاقة، كما يكشف عن رغبة مشتركة في إعطاء معنى للتعاون السياسي الذي يجعل من المساس بالسيادة القومية في المغرب، مساساً بها في الإمارات، والعكس صحيح.

دلالة هذا القرار، إذن، هو دعوة إلى التفكير عربياً في إنضاج عقد عربي داخلي يهم السيادة القومية، باعتبارها تحدّياً مشتركاً يشترط احترام الخصوصية السيادية، والقدرة على الارتقاء إلى «العام العربي» كسبيل لتحقيق التكامل، الذي لا يزال متعثّراً بسبب خطأ في التقديرات السياسية هنا وهناك.

كما يحمل أيضاً بعداً دبلوماسياً يرسّخ مبدأ تأييد السيادة المغربية في الصحراء، ومنحها سلاسة الانتقال من القارة الإفريقية إلى البلاد العربية وآسيا، الأمر الذي سيُشجع دولاً عربية وأوربية أخرى على فتح قنصلياتها، إمّا بحسّ سياسي تكاملي أو بحسّ استثماري، في ظل سيادة المغرب على الصحراء، وهذا ما باتت تعبّر عنه حصيلة افتتاح 15 قنصلية في مدينتَي العيون والداخلة كلها، فضلاً عن الإمارات، من القارة الإفريقية، غرباً ووسطاً وجنوباً، ما يعني أن هناك ميلاداً، تكتل، إفريقياً جديداً يدعم الوحدة الترابية للمغرب، ودعوة خليجية عربية من خلال الإمارات، لترصيد المواقف العربية الإيجابية من مسألة الصحراء، وتحويلها إلى تكتل عربي داعم للمغرب.

يعتبر قرار الإمارات تأكيداً رسمياً على مغربية الصحراء، وعلى جدّية المغرب في مقترحه للحكم الذاتي، ما يؤسّس لمسار جديد في التعاون بين البلدين، ويضخ دينامية جديدة على مستوى الاستثمار بمعنييه المادي واللامادي، في أفق تكامل منصف نابع من النُّسغ التاريخي للعلاقة المغربية ـ الإماراتية.