من يرصد خطاب جماعة الإخوان المسلمين اليوم يلحظ بوضوح أنهم (يسوقون) للاحتلال التركي العثماني الجديد، بحجة إعادة تأسيس دولة الخلافة، بالشكل الذي يجعل المواطن العربي تكتنفه حالة (القابلية للاستعمار)، وطمس الهوية الوطنية من منطلقات دينية، على اعتبار أن الأوطان مجرد (أقطار) يجب أن تنتهي وتتلاشى في دولة الأمة. وفي الوقت ذاته تجد أن السياسة (التوسعية) لأردوغان تنطلق من استعادة استعمار الدول العربية على اعتبار أنها كانت ولايات عثمانية في الماضي، ولأنها كانت كذلك فإن هذا يعطيه الحق لاستعمار تلك الدول المستقلة، وضمها كأقاليم من أقاليم دولة الخلافة العثمانية التي هي الجمهورية التركية الآن.

وغني عن القول إن جماعة الإخوان يعتبرون الإسلام فقط هو هوية المسلم، أما العروبة واللغة والجغرافيا، وكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - عربيًّا، وكون القرآن نزل بلسان عربي، فكل هذه الأمور يتعمدون تهميشها، لمحو (هوية) الفرد، وإحلال هوية الدولة المستعمرة محلها.

والعثمانيون هم - كما يقول تاريخهم - من أحط الأقوام التي استعمرت البلدان العربية، كما أنها لم تضف للحضارة الإسلامية طوال القرون الخمسة التي سيطرت فيها على أمة العرب أي إضافة؛ فأنا هنا (أتحدى) أولئك الذين يطبلون للأتراك، ولتاريخ بني عثمان، أن يقدموا لي فقيهًا أو عالمًا أو مخترعًا تركيًّا أثرى العلوم الإسلامية في أي مجال من المجالات الدينية والدنيوية، في حين أن الأمم الأخرى التي ضمها المسلمون إلى حضارتهم، سواء في أواسط آسيا أو الأندلس، قد أضافوا علومًا جديدة وابتكارات ومؤلفات، أثرت الثقافة الإسلامية، وبقدر ما تأثرت بالحضارة الإسلامية، أثرت فيها، إلا العثمانيين؛ فقد كانوا غزاة ومحاربين وقتلة وتدميريين. ويكفي أن تقرأ عن (الإنكشارية) وجرائمهم ووحشيتهم في كل أنحاء الدنيا التي وصل إليها العثمانيون لتعرف أنهم قوم همجيون، وعنصريون، كما أن العرق العربي هو أكثر ما يكرهون من الأعراق التي استعمروها، رغم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان عربيًّا.

ودولة بني عثمان كانت دولة ظالمة، قميئة، أهم ما يهمها في الولايات التي احتلتها (الجباية) وسرقة ثرواتها، وتجنيد أبنائها في جيوشها، أما الإعمار، والتعليم، والحكم بين الناس بالقسط والعدل، فهذا آخر ما يعنيهم.

جماعة الإخونج يعرفون ذلك جيدًا، لكنهم أناس انتهازيون، يهمهم القفز إلى السلطة، حتى وإن تحالفوا مع الأفاعي والوحوش الضارية.

وأنا على يقين أن مخطط (تتريك) الدول العربية، وهو المشروع الذي أسنده أردوغان وحزبه إلى هذه الجماعة الإرهابية، سيبوء حتمًا بالفشل، وسينتهي كما انتهى حكمهم في مصر والسودان وإلى حد ما تونس.

يكفي أن تعرف أن مهدي عاكف المرشد السابق للجماعة قال في لقاء تلفزيوني موثق إنه أرسل عشرة آلاف مقاتل لحسن نصر الله، من جماعة الإخوان. وعندما سأله المذيع الذي يحاوره: تقف مع حزب الله في لبنان وتأتي عند بلدك وتقول (طز في مصر)؟ فرد عليه مباشرة ودون أي تردد: (طز فيك وفي مصر). أي إنه حينذاك كان يناصر الفرس، ثم لما لفظوه عاد وناصر الترك. والسؤال: هل هذه الجماعة التي تتحالف مع كل من خان العرب والأوطان تستحق أن تُحترم؟

إلى اللقاء