زمننا زمن الإشباع المعلوماتي.

كل شيء متوفر بكميات مهولة، هل تريد معلومات دينية أو تاريخية أو ثقافية؟ نقرات بسيطة ويأتيك الإنترنت بجبال منها، هل تريد صوراً لشيء ما؟ عشرات الملايين بين يديك، من أحوال الطقس، وأسعار العملات، وسوق المال، وكل شيء في جيبك الآن، لكن هل تعتقد أن قدرتك أن تجد المعلومات بسهولة تعني أنك صرت حصيفاً أو موهوباً؟ ألف لا!

الكل يستطيع ذلك، أقل الناس ذكاء يقدر أن يكتب بضع كلمات في غوغل وينقر «ابحث» ويضغط على الرابط، المميز في عصرنا هذا هو المثقف، وليس المغوغِل.

من المثقف؟ إنه الذي يجمع كمية كبيرة متنوعة من العلوم في رأسه وينتقي منها الأصوب، هو مثقف وقارئ لكن معلوماته ليست مجرد حقائق عشوائية بل لَبِنات من المعلومات المتضافرة المتكاملة، ما هي بعض الفروق بين المغوغل والمثقف؟

عندما تسأل المغوغل: ماذا تعرف عن عباس محمود العقاد؟ فسيقرأ صفحته في ويكيبيديا، ويخبرك عن تاريخ ميلاده ووفاته وأهم أعماله، المثقف سيخبرك عن تأثيره عليه شخصياً، وعلى مجالٍ كامل يقرأ عنه المثقف (الأدب مثلاً)، ويقترح عليك كتباً أخرى مشابهة في التأثير والمعنى، ومعان خفية في أدبه لا يدركها إلا من قرأ كثيراً له ولغيره، ويشير بحماس إلى فقرة مؤثرة جميلة في كتابه الفلاني.

لو سألت المغوغل عن موزارت لأخبرك عن عدد مقطوعاته وفي أي بلد نشأ وحقائق عن حياته، لكن المثقف سيقص عليك بشغف شعوره لما سمع مقطوعته (سريناد) رقم 13 في موقفٍ لا ينساه، وكيف أن الكتاب الفلاني الذي لا علاقة له بالموسيقى استشهد بموزارت كعامل مؤثر في حياة الكاتب؟ وأنك لو سافرت لجزيرة استوائية فعليك أن تستمع للقطعة الموسيقية (ديفرتمنتو) رقم 17، لأنها تناسب هذا الجو الفردوسي.

المغوغل لا يرى إلا السطور، والمثقف يقرأ ما بينها، المغوغل يرى الشجرة فقط، والمثقف يبصر الغابة، المغوغل يوجد لك خيوط المعلومات، والمثقف يمزج بين حقائق غير مترابطة لينسج لك سجادة شرقية، المغوغلون كثيرون، فالإنترنت لانهائي، ولكن المثقفين نادرون.

قيل من قبل: «من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه»، لا ينطبق هذا اليوم، فالمعلومات الموثقة متوفرة، ولكن نقول: «من كان غوغل شيخه، كانت معلوماته أكثر من ثقافته!»