نظرة سريعة على ما كان عليه العالم قبل سنوات، تكشف بوضوح ما سيكون عليه بعد عقد أو عقدين من الزمن، ومن يمتلك الرؤية الصائبة يدرك أنه مقبل على تغيرات كبرى سواء في منظومات الاقتصاد والطاقة والغذاء والصناعة والتقنية، أو حتى في أساليب حياة الناس ككل. ولا شك أن دبي استطاعت بالإدراك المبكر لقيادتها أن ترسخ سبقاً، ليس فقط في استعدادها وجاهزيتها لخرائط العالم الجديد بكل متغيراته، وإنما ريادة وقيادة لصناعة هذا المستقبل، والاستثمار في منظوماته، وهو ما بدأ يثمر في أكثر من مجال.وبما يتجاوز ذلك، باتت الإمارات، بفضل الرؤية الاستباقية للقيادة، تتحول إلى دولة مصدرة للمعرفة، فمع وصول «مسبار الأمل» الذي أعلنه محمد بن راشد في 9 فبراير 2021، إلى المريخ، يبدأ المسبار بتوفير معلومات غير مسبوقة عن الفضاء والكوكب الأحمر، لمئات المؤسسات البحثية حول العالم.

وقطاع الصناعات الفضائية هو من القطاعات التي تتطلع دبي إلى ترسيخها كركيزة أساسية للتنمية المستقبلية، سواء بالاستثمار الحكومي في هذا القطاع، أو تشجيع شركات القطاع الخاص على ريادته، الأمر الذي بادرت من خلاله غرفة دبي إلى إعداد دراسة متخصصة لمساعدة القطاع الخاص على تحديد أولويته ورسم خططه ضمن هذا القطاع، والعمل على استقطاب استثمارات خارجية نوعية في الصناعات الفضائية، والتي كشف عنها حمد بوعميم مدير عام الغرفة لـ «البيان»، وحددت الدراسة 10 مجالات مختلفة في اقتصاد الفضاء ينبغي التركيز عليها في الدولة للارتقاء بالقطاع تشمل التعدين في الفضاء، والمحطات الفضائية، والمستوطنات الفضائية، وقانون الفضاء، والاستدامة في الفضاء وإعادة التدوير، والسياحة الفضائية، وشركات الفضاء، والأكاديميات الفضائية التي تشمل إعداد رواد الفضاء للرحلات التجارية، والصناعات الفضائية، وتطوير وتصنيع مكونات المركبات الفضائية.

وفي إنجاز آخر استثنائي، تشارك دبي في صناعة تاريخ جديد للنقل، مع نجاح التجربة الأولى لنقل الركاب عبر «هايبرلوب» بدعم موانئ دبي العالمية، والذي يعد أول ظهور عملي لنمط جديد للنقل الجماعي منذ أكثر من 100 عام، وسيشكل بعد اكتماله نقلة غير مسبوقة في مجال النقل والمواصلات على مستوى العالم أجمع.

هذا الاستثمار الضخم، والدعم المستمر، والإنجازات المتواصلة، في قطاعات المستقبل المتقدمة، تثبت بما لا يدع مجالاً للشك، بأن دبي رسخت دوراً قيادياً في صناعة أدوات العالم الجديد، بل يثبت أبناؤها، بإنجازهم اليومي، قدرات فائقة على أن يقدموا إسهامات وابتكارات علمية مؤثرة في حياة الناس، والأمثلة كثيرة، ولعل آخرها، السبق الطبي المذهل الذي حققه الأطباء المواطنون في مستشفى لطيفة، بإجراء عملية دقيقة في العمود الفقري لجنين في بطن أمه.

برؤية ومثابرة ودعم القيادة، وبالكفاءات الوطنية التي باتت الأقدر على التحدث بلغة المستقبل، تمسك دبي اليوم بزمام المبادرة في صناعة أدوات المستقبل وابتكار تقنياته، بل وتعيد تعريف مفاهيمه في مختلف المجالات الحيوية.