الانتخابات الرئاسية الأميركية شأن داخلي وعالمي في نفس الوقت، الحقيقة المؤكدة أن كلا الحزبين الجمهوري والديموقراطي تهمهما مصالح أميركا في المقام الأول والثاني والثالث والألف، ورغم أن القضايا الداخلية هي الأكثر تأثيراً في حسم الانتخابات، إلا أن متابعة هذه الانتخابات على مستوى العالم أمر طبيعي بحكم قوة أميركا ومكانتها وتأثيرها، ما حدث في الانتخابات الأخيرة غير مسبوق من حيث الانقسام والتشكيك في نزاهة الانتخابات.

كانت أميركا قبل بدء الانتخابات الأخيرة تعيش أوضاعاً صعبة على المستوى السياسي والشعبي، جائحة كورونا وآثارها الإنسانية والاقتصادية، ومشكلة العنصرية، والطرح الإعلامي الذي كاد أن يتحول إلى حزب ينافس على الرئاسة، وقاد معركة شرسة بين أنصار الحزبين، تلك ظروف شكلت ضغوطاً على الشارع الأميركي وأدت الى تطرف حاد في الخطاب السياسي، والخطاب الإعلامي، وهي ظروف لا بد أنها أثرت على نتيجة الانتخابات، هذه النتيجة تعبر عن حالة الانقسام، حيث أعلنت إعلامياً بفوز ممثل الحزب الديموقراطي جو بايدن، لكنها لم تعلن رسمياً بسبب اعتراض الرئيس ترمب وتشكيكه في فرز الأصوات واللجوء إلى المحاكم للتحقيق ومن ثم إعلان النتيجة النهائية.

السجال الكلامي الذي سبق الانتخابات بما في ذلك المناظرتين كان سجالاً بعيداً عن الموضوعية، وكان له تأثيره في تأجيج الشارع الأميركي، الرئيس ترمب القادم من خلفية غير سياسية كان حاداً في خطاباته وتغريداته ومؤتمراته الصحفية، وعدّ الإعلام ليس خصماً له فقط بل عدواً للشعب، بايدن ظهر في المناظرة الأولى بشكل غير متوقع واستخدم أيضاً لغة غير موضوعية، وكانت التوقعات تشير إلى عدم قدرته على مناظرة ترمب.

دول كثيرة قدمت التهنئة لجو بايدن، وهذا قد يشكل ضغطاً على الرئيس ترمب فيقرر القبول بنتيجة الانتخابات ويقدم التهنئة للرئيس الجديد كما جرت العادة في بلد ديموقراطي، أما إذا استمر في الاعتراض فالقانون يكفل له ذلك.

في كتاب بعنوان (الانتخابات والأحزاب السياسية الأميركية) يقول مؤلفه السيد إلس ساندي ما يسل: "قليل من الأميركيين بل وقليل للغاية من مواطني الدول الأخرى، يتفهمون العملية الانتخابية في الولايات المتحدة، إن نسب المشاركة في الانتخابات في أميركا تتسم بالتدني البالغ مقارنة بغالبية الدول الديموقراطية الناضجة، وربما يكون سبب هذا هو قلة المنافسة في أرجاء البلاد في ظل تمتع حزبين فقط بفرص حقيقية للفوز، رغم حقيقة أن عدداً كبيراً من المواطنين لا يدينون بالولاء لأي من هذين الحزبين).

أقترح على القارئ قراءة الكتاب المشار إليه، للتعرف على طبيعة العملية الانتخابية، والجوانب التي تحتاج إلى إصلاح من وجهة نظر مؤلف صاحب خبرة ومرشح سابق للكونغرس، ومؤلف 15 كتاباً عن الأحزاب السياسية والانتخابات.