-فيما يخص الكتابة، كمهنة، أي كعمل يومي، يستلزم انضباطًا جادًّا في مواعيد تسليم المادّة، استفدت كثيرًا، كثيرًا جدًّا، ممّا سمعتُ من حديث شخصيتين أدبيتين: سمير عطالله، ونجيب محفوظ!.
-مرّةً قال لي أستاذي سمير عطاالله: لا تتوقّف عن الكتابة، إنهم يظنون الكتابة اليوميّة صعبة، وهي كذلك فعلًا، لكنك فيما لو هيّأت لنفسك أوقات عمل تلتزم بها حرفيًّا، ونجحت في الكتابة لمدّة سنة أو أقلّ، فسوف تجد نفسك توّاقة والأفكار حاضرة والكلمات مُطيعة!.
-نجيب محفوظ هو التجربة الأدبيّة الخالدة، المؤكِّدة لأهميّة وسلامة نظريّة ضبط الوقت والالتزام!. قِيل إنّ الأمر وصل به إلى ترك الكلمة الواحدة في منتصفها، متى ما دقّت ساعة الانتهاء من العمل “الكتابي”!.، ذلك الذي قَسَمَ له نصيبه من ساعات اليوم، لا يزيد ولا يحيد!.
-يمكن لنشوة الكتابة أن تحضر في أي وقت، وكان نجيب محفوظ يعرف ذلك، ويقول: ساعات!.. أقلق بالليل.. الساعة 3، ألقاني أريد الكتابة، لكني أتذكّر ما أعرفه،.. سوف أصحو صباحًا وأذهب لعملي في وزارة الأوقاف، وأمضي في دفتر الحضور بالساعة!. وعليه.. أترك “نشوة” الكتابة هذه التي باغتتني ليلًا، وأُكمل نومي، مؤجّلًا الكتابة لمواعيدها!.
-بالنسبة لنجيب محفوظ كانت الكتابة من، أو بين، الرابعة والسابعة مساءً!. مع توقف عنها يومي الخميس والجمعة من كل أسبوع، وبالنسبة للسنة كاملة، فإن سنة الكتابة بالنسبة لنجيب محفوظ، تبدأ من “أكتوبر” وتنتهي في “إبريل”!.
-يبدو ذلك غريبًا!. طيّب والإلهام يا أستاذنا؟!. يقول: بالتّعوّد يأتي الإلهام وتأتي النشوة وتأتي الكتابة بين الرابعة والسابعة مساءً!. هذه هي النقطة التي يمكن لها أن تغيب عن كثير..!. مثل ماذا؟! مثل أن تُعوِّد نفسك على موعد الغداء في ساعة محددة، مع الوقت والانضباط، ستجد نفسك جائعًا، “ميّتًا من الجوع!”، قبل هذه الساعة بربع ساعة!.
-يُلملم عبقري الرواية كل ما سبق ويصبّ الحكمة: الخطأ في المسألة هي الظّن أنني أكتب حتى وأنا لا أشتهي الكتابة!، لم يحصل ذلك أبدًا!. ما حدث هو أنّ الرّغبة دخلت التنظيم!، فصارت تأتي في وقتها!.
-ما أجمل كلامه، وما أعمقه: التنظيم لا يختلف عن التلقائيّة!. لماذا؟!، لأنّ التنظيم مسبوق بتلقائيّات في ظروف عديدة!. تُختزن في الذاكرة، وتتوزّع على كل الأوقات، هذه التلقائيات بحاجة إلى تنظيم لتتحول إلى أدب!.