ليس هناك إعلام محايد، هذا ما كنا نقوله بثقة التجربة والمعايشة والفهم الموضوعي لمعادلات السياسة والواقع والمجتمع.

ولكنهم كعادتهم في ركوب الحماقة كانوا يزايدون علينا بحيادية الإعلام الغربي في عمومه والامريكي من اذا كان من الفضيلة التي تتعاطف مع فوضى المجتمعات او مع «الفوضى الخلاقة» المدمرة.

وها هي أسطورة حياد وحتى موضوعية الإعلام الامريكي سقطها ذلك الإعلام نفسه وفي عقر داره عشية الانتخابات الرئاسية الامريكية وأثنائها، فيخرج حتى عن تقاليد الصحافة والإعلام ويضرب بدستور الآباء المؤسسين كما يسمونهم عرض الحائط، فيعلن اسم الرئيس الفائز قبل الإعلان الرسمي كما جرت العادة وجرى التقليد في أمريكا عن إعلان اسم الرئيس الفائز.

السي إن إن أعلنت فوز بايدن ولم تنتظر صدور الإعلان من الجهة المخولة رسميًا بذلك، وتبعتها جميع وسائل الإعلام الامريكية من صحافة وتلفزيون نكاية بترامب في حرب قادتها وسائل الإعلام الامريكية «المحايدة» وصنعت الرئيس قبل الانتخابات وأعلنت فوزه قبل ظهور النتائج رسميًا.

لا يعنينا هنا من الفائز ومن الذي خرج من السباق الرئاسي، فلسنا اليوم في وارد ذلك، ولكننا خصصنا الحديث في هذه المساحة لكشف أسطورة حيادية الإعلام التي يتحدثون عنها بمثالية خرافية لاختراقنا إعلاميًا او ليصبح إعلامنا منصة لهم ونافذة لأفكارهم ونشر مشروعهم والترويج لثيوقراطيتهم في نسختها الايرانية الولائية.

الولائيون وأتباعهم من أيتام «الربيع العربي» كانوا «يعايروننا» بعدم حيادية إعلامنا، ليس دفاعًا عن الإعلام ومفهومه وإنما بغية «احتلال» مساحات من إعلامنا لنشر أفكارهم المضادة لطموحات الوطن والمواطنين والتي تصب في مجرى أجندة معروفة لا تريد الخير لنا ولشعبنا ووطننا.

حيادية الإعلام أسطورة خلقوها وصنعوها في فحسةٍ من زمن التنظير المغلوط، ولعلها شاعت ولعلها انتشرت دون تدقيق في علمية المصطلح المغلوط والمركب على نحو واهم ولن نقول خاطئ.

ففي التجربة الإعلامية منذ ظهور الإعلام كذراعٍ فعَّال في المشهد السياسي العالمي القديم منه والحديث لا يوجد ولم يوجد إعلام محايد على الإطلاق، فهذه تسمية لا وجود لها أصلاً في عمل الإعلام بعمومه بغض النظر عن مصدره، لا يمكن للإعلام كإعلام إلا وأن يكون صاحب هدف.

والحياد بالأساس فيه كمصطلح ليس هدفًا، خصوصًا في عمل الإعلام وفي دور الإعلام بغض عن النظر عن هذا الهدف، فنحن لا نناقش هنا هدف الإعلام ولكننا نناقش «حيادية» الإعلام بوصفها خرافة في عمل الإعلام بعمومه.

الإعلام دور او الإعلام رسالة، وليس هناك دور وليست هناك رسالة محايدة، إلا في الوهم الذي صنعوه واخترعوه لخدمة رسالتهم المشبوهة فقالوا بالإعلام المحايد.

ولأن الإعلام في أمريكا إعلام خاص فهو يرى مصالحه ومصالحه فقط، وهي مصالح من يملكون هذه الوسيلة او تلك من وسائله، وبالنتيجة فهو ليس إعلامًا محايدًا على الإطلاق وإنما هو إعلام يخدم مصلحة ملّاكه من أفراد ومؤسسات وشركات.

فوكس نيوز كانت منذ أول لحظة وما قبل الانتخابات وأثناءها مع ترامب، ثم فجأة وفي النهاية انقلبت ضده، لماذا؟؟ خدمة لمصالحها. والسي إن إن كانت منذ البداية مع الديمقراطيين وظلت إلى النهاية كذلك، لماذا؟ خدمة لمصالحها ملّاكها طبعًا.

فلا تحدثني ولا تقل لي عن إعلام محايد في زمن غير محايد، ودعك من تخرصات البعض وتنظيرات العاطلين عن الفعل والجالسين على أرصفة الكسل والتكسب.