الاتفاق الذي «فرضه» الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على كل من أرمينيا أو أذربيجان، هو بمثابة معادلة مركبة، منعت الهزيمة التامة ليريفان، وحالت دون النصر الساحق لباكو. هكذا أرادها بوتين: نصف هزيمة أرمينية، نصف نصر أذربيجاني، وهو بذلك لم يدخل في خصومة قاطعة مع أحد الطرفين، حفاظاً على توازن محكم للمصالح الروسية في المنطقة.

رغم مسعى موسكو لفرض وقف للقتال منذ بدء النزاع بين البلدين حول مرتفعات كاراباخ، حيث أبرم، في موسكو أيضاً، اتفاق هدنة لم يحترم من الطرفين، اللذين لم يكونا مستعدين له، على أمل تحقيق أمر واقع يحسن شروط التفاوض بينهما، وغضّ الكرملين في حينها الطرف مؤقتاً، طالما ظلّ الوضع بعيداً عما تعدّه موسكو خطوطاً حمر.

حين بلغ النزاع هذه الخطوط الحمر أو أوشك، تحركت موسكو بحزم للسيطرة على الموقف. وبعد إبرام الاتفاق قال بوتين: «آمل في ألا نستخدم لاحقاً مصطلح النزاع في كاراباخ، وأن ننتقل إلى بحث قضايا أخرى»، لكن النزاع لم يسو تماماً، وقد لا ينفجر قريباً مرة أخرى، لكن لا شيء يجول دون انفجاره في المستقبل.

احتفى إلهام علييف بالاتفاق وعدّه نصراً له، أما في أرمينيا فامتلأت الشوارع بالمحتجين على الاتفاق، لأنهم اعتبروه استسلاماً من قبل رئيس الوزراء نيكول باشينيان، الذي اعترف بأن الاتفاق «صعب وموجع»، لكنه ضروري لأنه منع خسارة مدن إضافية، كأنه يقول: «اضطررنا لتوقيع الاتفاق كي لا نخسر كل شيء، ونحافظ على ما تبقى في أيدينا».

يضمن الاتفاق لباكو السيطرة على جميع المناطق الأذربيجانية التي احتلتها أرمينيا عام 1992 خارج كاراباخ، لتصبح تحت سلطة جمهورية كاراباخ غير المعترف بها، فيما سيمكن يريفان من استمرار السيطرة على بقية كاراباخ، فضلاً عن إمكانية استخدام ممر لاتشين (الذي ستسيطر عليه القوات الروسية) للتواصل مع أرمينيا، بما يضمن لموسكو السيطرة على تدفق النقل بين أرمينيا وكاراباخ، وأذربيجان وجيب ناخيتشيفان الأذربيجاني عبر الأراضي الأرمينية.

لا تخلو علاقة موسكو بالبلدين من التباسات، فهي ترتبط بمعاهدة تعاون عسكري وأمني مع أرمينيا، ولها قاعدة عسكرية على أراضيها، لكنها تتمتع بعلاقات جيدة مع أذربيجان، تشمل مجالات تجارية واقتصادية وعسكرية، ولا تخطئ عين موسكو ملاحظة حرص باكو على كسب ودّها، والاعتراف بمصالحها في المنطقة، فيما لا تظهر أرمينيا الدفء نفسه في علاقاتها مع موسكو رغم حاجتها الأمنية لدعمها، وأظهرت بكل الطرق الممكنة رغبتها في الاقتراب من واشنطن والاتحاد الأوروبي.