أعترف بأنني اقتبست عنوان المقال من رواية الكاتب السعودي عزيز محمد «الحالة الحرجة للمدعو ك». فقد وجدته العنوان الأنسب للرواية التي يكتبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الأيام، وهو يصر على التمسك بكرسي الرئاسة، رافضاً تسليم السلطة لمنافسه بايدن، الفائز حتى الآن بنتيجة الانتخابات، مصراً على أن النتيجة الحقيقية هي فوزه هو، ساعياً لتغييرها عن طريق القضاء، وإذا كنت لست متأكداً من أن ترامب متأثر هو الآخر بكافكا مثل بطل رواية عزيز محمد، فإنني وغيري متأكدون من أنه متأثر بالأنظمة التي يسمونها في الغرب ديكتاتورية.

يبدو أن للكراسي سطوة تدير رؤوس من يجلسون عليها، وتجعلهم يتمسكون بها حتى الرمق الأخير، ويضحون بأقرب الناس إليهم وأعزهم لديهم إذا شعروا بأنهم ينافسونهم عليها، أو يحاولون انتزاعها منهم. ففي التاريخ قصص كثيرة لمن أراد أن يعرف سطوة الكراسي واستعداد من يجلسون عليها لافتراس من يقترب منها. ولعل لنا في سلاطين الدولة العثمانية أمثلة وعبراً. فها هو السلطان سليم الأول، الذي كان الأتراك يسمونه «سليم القاطع» لحدّته، وكان الإنجليز يسمونه «سليم العابس» لتجهّم وجهه الدائم، والفرنسيون يسمونه «سليم الرهيب» لدمويته، ها هو يصل إلى السلطة عن طريق الانقلاب على والده بايزيد الثاني، ويقال إنه قتله بالسم وهو في طريقه إلى بلدة ديموتيقا، حيث قرر أن يقيم بقية حياته، فمات بعد شهر من تنازله عن العرش، ثم قام بعد ذلك بمطاردة إخوته وأبنائهم والقضاء عليهم الواحد تلو الآخر حتى تخلص منهم جميعاً. وعلى خطى والده «سليم الأول» مضى السلطان «سليمان القانوني» للتمسك بالسلطة، فقتل ابنه الأكبر وولي عهده الأمير مصطفى اعتقاداً منه أنه ينوي الانقلاب عليه، وكان ذلك نتيجة مؤامرة دبرتها زوجته خُرّم سلطان، ثم قتل ابنه بايزيد وأحفاده الأربعة عندما رفض تسمية شقيقه سليم ولياً للعهد بعد إعدام أخيهم الأكبر مصطفى وثار عليه، غير أنه هزم في معركة قونية ولجأ إلى شاه إيران الذي باعه لأبيه سليمان مقابل 500 ألف ليرة ذهبية ومجوهرات ثمينة، فسلم جثته وجثث أبنائه الأربعة إلى السفراء العثمانيين الذين دفنوهم في سيواس. وفي العام نفسه قُتل أورهان أكبر أبناء بايزيد عن 19 عاماً وقت أن كان والياً على سنجق جورم.

وإذا كان للرجال من سلاطين بني عثمان النصيب الأكبر من القسوة في استخدام القوة للحفاظ على السلطة، فإن نساءهم لم يكنّ أقل منهم قسوة في السعي إلى السلطة. وأكبر مثال على ذلك أشهر سلطانات الدولة العثمانية «كوسم سلطان» التي تخلصت من عثمان الثاني، ابن ضرتها خديجة ماه فيروز، لتعيد شقيق زوجها السلطان مصطفى الأول إلى الحكم، لتعزله وتولي ابنها مراد، الذي كان في الحادية عشرة من عمره، الحكم، وتدير البلاد بصفتها نائبة له. وبعد تسعة أعوام، أقصاها ابنها مراد من المشهد السياسي، رافضاً أن يسمح لأحد بالتدخل في إدارة البلاد، لتعود إلى الواجهة بعد وفاته وتولي شقيقه إبراهيم الحكم. ثم تآمرت على ابنها إبراهيم بعد أن هددها بالنفي إذا لم تكف عن التدخل في شؤون الحكم، فأزاحته وسلمته إلى الجلاد ليتم إعدامه، وحصلت مجدداً على منصب نائب السلطان بصلاحيات غير مسبوقة، بعدما تم تعيين حفيدها محمد الرابع، الذي لم يبلغ السابعة من عمره خلفاً لوالده القتيل، سلطاناً. وكانت نهايتها الموت خنقاً على يد عدد من عبيد القصر بتدبير من السلطانة خديجة تارخان، والدة السلطان محمد الرابع، الذي كانت كوسم سلطان تخطط لقتله وتولية أخيه غير الشقيق سليمان السلطنة، بعد أن احتدم الصراع بين الأم والجدة، متخذتين من الأحفاد القُصّر واجهات لهن.

تاريخ طويل من الصراعات الدموية على الكراسي الذهبية، ليست هذه إلا نماذج لها، لكنها نماذج من الصعب أن تتكرر في زمننا هذا، خاصة عندما نتحدث عن مجتمعات تدّعي أنها ذات أنظمة ديمقراطية حديثة. لذلك يستغرب الكثيرون ما يحدث هذه الأيام في الولايات المتحدة، ويعتقدون أنه حالة خاصة. ربما يكون وجه الشبه الوحيد بين رواية الكاتب السعودي عزيز محمد، والرواية التي يكتبها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذه الأيام، هو الحالة الحرجة التي يمر بها بطلا الروايتين، ويبقى كل ما عدا ذلك مختلفاً، وإن كان مثيراً يستحق المتابعة.