قبل أيام قال وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ: إن وزارته تعمل على مناهج دراسية جديدة، وإنها ستكون في الفلسفة والتفكير النقدي لطلبة المدارس السعودية، ولعلها ستخصص للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة، فقد تم إقرار مادة مبادئ الفلسفة في المرحلة الثانوية منذ 2018، وتمت الاستعانة بخبرات غربية لتدريب كوادرها، ورغم ذلك مازالت الفلسفة خارج اهتمام الجامعات السعودية، في الوقت الذي كان يجب أن تكون محطتها الأولى، وأن تعمل بأقل تقدير على تصميم دبلومات تخرج متخصصين لتدريسها في مراحل التعليم العام.

بدايات الفلسفة المحلية بشكل رسمي كانت في نادي الرياض الأدبي سنة 2008، وجاءت بمباركة من وزارة الثقافة والإعلام السعودية، ولعلها تمثل انعتاقاً من تجنبات أرهقتها وحملتها ما لا تحتمل، ومن ثم انتقلت الحالة الفلسفية إلى المنطقة الشرقية في 2017، وإلى إيوان الفلسفة في جدة سنة 2018، والفلسفة تأخذ أشكالاً مختلفة كالفلسفة الوضعية وفلسفات الاختلاف والفلسفة التفكيكية وغيرها.

المسألة الفلسفية ليست ترفاً فكرياً، والشاهد أن جمعية علماء النفس البريطانيين بحثت عملية تدريسها ودورها في زيادة القدرات الإدراكية للطلبة من الجنسين، ممن تراوحت أعمارهم ما بين 10 سنوات و12 سنة، وكانت النتيجة أن تدريس الفلسفة ساهم في تنمية قدراتهم اللفظية المعرفية، بالإضافة لتطوير مهارات التفكير لديهم، والفلسفة تشتغل على ثقافة السؤال، ولا تقبل الإجابات الجاهزة والمعلبة، وتحاول ابتكار إجابات جديدة ومختلفة، كما هي الحال في رواية التحول لفرانز كافكا، والتي حولت بطلها إلى حشرة كبيرة.

يجوز أن المعتزلة وإخوان الصفا أساؤوا إلى الفلسفة في السياق الإسلامي أكثر من غيرهم، ولكن لا يجب أن تؤثر تفسيراتهم غير الموفقة على البقية، وخصوصاً فلاسفة المسلمين العظام من أمثال ابن خلدون وابن سينا وابن رشد والفارابي، علاوة على شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو فيلسوف محلل ومتأمل من طراز نادر، وقد سجل اعتراضاً على أفكار أرسطو وانتقدها بموضوعية، لتأتي الفيزياء وتؤكد وجهة نظره بالدليل العلمي، والأسئلة الفلسفية مشاغبة وقلقة دائماً، كتفاحة نيوتن التي حركت سؤال الجاذبية وغيرت في مفاهيم علمية كثيرة.

عملت التنظيمات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي على شيطنة الفلسفة والمنطق، واستخدمت المغالطات المنطقية والحقائق الناقصة في تأكيد قناعاتها، لأن المنهج الفلسفي يفضح أساليبها، ويقف ضد الأيديولوجيا الدينية المستندة إلى مبدأ التسليم دون مناقشة، ويخرج الناس من دائرة الأحكام المطلقة، ليصل بهم إلى المقاربات النسبية بما توفره من مساحات واسعة للحركة، وبالعودة إلى التاريخ نجد أن الفلسفة حضرت بأسماء متنوعة، في خلفية الكلام عن اللغة والشعر، وفي أقسام الأدب والنقد، وفي التخصصات الشرعية ومسائل العقيدة، ومن الضروري أن نكون منتجين لنماذجنا الفلسفية الخاصة لا مستهلكين لما يقدمه الآخرون، خصوصاً أن الخطاب الفلسفي التنويري يواكب رؤية 2030 باعتماده على الإبداع والتفكير النقدي.