حضرت قبل عامين مهرجان الجاز الذي يقام في الصيف كل عام في فانكوفر، ولسبب لا يخفى على أحد لم يتم هذا العام، كنت أتنقل من مكان لمكان أستمع لفناني الجاز يغنون ويعزفون في الطرقات وفي الحدائق وفي المسارح والمطاعم. وحين أسافر إلى أي بلد أبحث عن أندية الجاز فيها، لأحضر لو مرة هذا النوع من الموسيقى الساحرة. ولأنني كنت في أحد المطاعم القريبة مني في فانكوفر والذي اكتشفت بالصدفة أنه يقدم موسيقى جاز حية قررت أن أتحدث عن هذا الفن وتاريخه اليوم.

ولد الجاز في نيو أورلينز في أميركا، المدينة التي تلتقي فيها أعراق كثيرة، وكما هي الحال حين يولد طفل لأعراق مختلفة يكون جميلاً وفريداً كذلك كان الجاز. بدئ سماع موسيقى الجاز في بدايات القرن العشرين، كان أشهر عازفيه ومغنيه من الأميركان الأفارقة، وهي موسيقى تولدت من رحم البلوز والراجتايم. وبينما كانت البلوز تعتمد على الكلمات التي تحكي عذابات العبيد وبحثهم عن الخلاص، جاءت الجاز في البداية كي تضيف أنغاماً أكثر وموسيقى أكثر تنوعاً. جاء الجاز يبحث عن الحرية بشكل أكثر صخباً فاعتمد على حرية الأداء والعزف، على الارتجال أكثر من القوانين الصلبة والنوتات المحفوظة. هكذا بدأ الجاز.

أحد فناني موسيقى الجاز والأشهر هو لويس أرمسترونغ، ملك الارتجال الذي خلف الكثير من الألبومات التي تشهد على عبقريته الموسيقية في عالم الجاز.

موسيقى الجاز تعبر عن الفرح كما تعبر عن الحزن، وتنجح في جعلك ترقص وتبتهج كما تنجح في أن تبكيك أو تثير في قلبك الشجن. الجاز صوت المعذبين، انطلق من الفئات الأكثر معاناة في أميركا، صارخاً في وجه الظلم والعنصرية.

من أجمل مزايا الجاز قدرة كل فنان على تغيير الأغنية حسب طريقته وفنه، يمكنك أن تستمع إلى ذات الأغنية بشكل مختلف وأداء مختلف يعتمد على مؤديها والموسيقيين الذين عزفوها، ولأنه فن الارتجال فذلك يحدث بطبيعية شديدة وينتهي إلى أن تشعر بأنك تستمع إلى أغنية مختلفة وجديدة في كل مرة.

الجاز أنواع، وهو موسيقى تتطور وتتبدل وتتغير، سوينغ، كول جاز، بيبوب، الجاز الحر مسميات كثيرة لطرق مختلفة يعزف بها الجاز، لا أميزها لأنني لست متخصصة، وربما أخطأت في بعض المصطلحات أو المفاهيم، لكنني أعرف أنني أحب هذه الموسيقى، وأستطيع أن أتبين أنين المجروحين الذين يعبر الجاز عنهم حين أسمعها. هذه محاولة مني للتعريف بلون أصبح كلاسيكياً الآن، بينما حين بدأ كان ثورة وخروجاً على المألوف.