ما إن أعلنت شركة فايزر عن نتائج المرحلة الثالثة من تجارب لقاح كورونا حتى تناقل الإعلام خبر نجاح اللقاح وتصدرت صور العالمين الألمانيين من أصل تركي الصفحات الأولى كما يقال. والملاحظ في الحديث عن اللقاح منذ الإعلان عنه في التجارب الأولى أن اسم شركة فايزر مقترن باسم شركة (بيونتك) التي يمتلكها العالمان الألمانيان. وليس لقاح فايزر الوحيد، فلقاح أكسفورد مقترن بشركة (أسترازينكا)، ولقاح جامعة دوك مع شركة (آركتورس). وهذا الاقتران بين الشركات المصنعة له دلالة مهمة في البيئة الابتكارية في المجال الصحي وفي غيره. فقد تعاقدت شركة فايزر مع شركة بيونتك العام 2018 للتعاون في أبحاث اللقاحات لمكافحة الإنفلونزا. ينص الاتفاق بين الشركتين على أن تتولى بيوتنك المراحل الأولى من البحث والتطوير، على أن تتولى فايزر التطوير والتوزيع بعد إثبات الفاعلية.

عندما أعلنت جائزة نوبل للاقتصاد عن فوز ميلغروم وويلسون نظير مساهمتهما في تطوير نظرية المزادات العلنية، تبين دور هيئة الاتصالات الفيدرالية الأميركية في الاستعانة بنظرية المزادات العلنية لحل مشكلة توزيع الترددات، لم يكن الابتكار بمعزل عن تطبيقه هناك، إنما هنا في قصة إنتاج لقاح كورونا فالابتكار لصيق بمجاله التطبيقي، عندما أسس أوغور شاهين وزوجته أوزلم تورجي (بيونتك) مع عالم الأورام كريستوفر هوبر العام 2008، لم تكن تلك التجربة الأولى، فقد أسس الزوجان قبل ذلك بسبع سنوات شركتهما الأولى (جانميد) التي تعني بالتركية: الاستحقاق بالعمل الشاق - السجع غير المتكلف من صنعي، يقول أغور شاهين عن شركته الأولى بعد أن وجد صعوبات تمويلية لأبحاثه: بكل بساطة، أنشأنا شركتنا الخاصة، بعد عشر سنوات أو أكثر استحوذت شركة (أستيلاس) اليابانية على (جانميد) بمبلغ 1٫4 بليون يورو العام 2016.

انطلقت رحلة الابتكار التي بدأها أوغور شاهين بعد سنوات في العمل الأكاديمي، من رسالة الدكتوراه في جامعة كولون ثم المستشفى الجامعي لسارلاند في مدينة سابغوكن ثم جامعة مينز التي عين فيها أستاذا العام 2006، تخللتها إنشاء شركتين دون انقطاع يذكر عن الجامعة، يتبين لنا من دراسة سيرة العالمين، أن العمل البحثي الذي أنجز كان مراوحة بين مؤسسات العمل الأكاديمي التي اشترك فيها العام بالخاص، إن النظام البيئي للأبحاث مكون من طيف عريض من نماذج العمل التي يقع البحث والابتكار في صلبها، فمع نمو التنافس على فرص التمويل والتطور المتسارع للمكتشفات العلمية، أصبح من الأجدى للشركات أن تتعاقد مع معامل أبحاث متخصصة من الاقتصار على البحث والابتكار في الشركة نفسها، فلطالما واجهت الشركات تحدي الإنفاق على الأبحاث في ضوء التنافس الحاد، فشركة (بيوتنك) بالمعنى العام شركة ربحية، يعمل فيها أكثر من ألف موظف بقيمة سوقية تتجاوز 22 بليون دولار؛ لكنها بالمعنى الخاص معمل أبحاث متخصص يقدم خدماته ضمن نظام بيئي بحثي مفتوح على العالم.