انقضت أمس الأحد، اجتماعات قمة رئاسة مجموعة العشرين (G20)، التي استضافتها المملكة العربية السعودية في الفترة من 21 إلى 22 من شهر نوفمبر الجاري، برئاسة القامة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، والتي شكلت في مضمونها العام قمة تاريخية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ليس للسعودية فحسب بل للعالم العربي أجمع.

ويظل السؤال المركزي الكبير الذي تدور رحاه بين عدة أوعية تفصيلية: ما مكتسبات الحكومة السعودية من رئاسة الدورة الحالية؟.. وقبل الاستمرار في سرد الإجابات، من المهم على الرأي العام أن يعلم بأن الدورة الحالية (G20)، تُعد الأصعب طوال الدورات الأربع عشرة السابقة، حيث لم تواجه قمم مجموعة العشرين مرحلة صعبة واستثنائية، وارتباكاً صحياً عالمياً، بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المُستجد (COVID-19)، وما أحدثه من تصدعات كبيرة على الهيكل الاقتصادي العالمي، خاصة على الاقتصادات الناشئة للدول الفقيرة، وزيادة الانكماش الاقتصادي الذي لم يفرق بين دولة وأخرى، وإعلان غالبية دول العالم حالة الطوارئ، وتأثر اقتصاداتها بفعل إجراءات الإغلاق.

بشهادة الجميع، فإن أولى مكتسبات الحكومة السعودية التي أظهرتها أمام أقوى المنظومات الاقتصادية العالمية في مجموعة العشرين، قدرتها في تقديم مبادرات فعّالة أسهمت في الحفاظ على تماسك بُنية أسواق العمل والاقتصادات الجزئية والكُلية، خاصة المتعلقة بإعادة جدولة ديون الدول الفقيرة، التي واجهت مصاعب جمة بسبب تأثيرات كورونا.

ولفهم الدور السعودي بشكل مقرب، أستند إلى أجزاء من كلمة خادم الحرمين الشريفين عند تسلم المملكة لرئاسة مجموعة العشرين، وإعلانه حينها للعالم أجمع عن سعي حكومته إلى «تدعيم بيئة المجموعة بشكل حيوي؛ للخروج بمبادرات ومخرجات تحقق آمال شعوب العالم»، وهذا ما حصل فعلًا، حيث كانت المسؤولية السعودية حاضرة في صميم المشكلات العالمية، وهذا ما كان ليحصل إلا بعد توفيق الله وفضله أولًا، ثم بفضل الجهود الكبيرة التي بذلتها الأمانة العامة السعودية لمجموعة العشرين، التي استطاعت تقديم خريطة شاملة من المبادرات والتوصيات الفنية لجميع التحديات العالمية، قائمة على الدراسات والأبحاث والتصورات التوصيفية الدقيقة.

وإذا فهمنا عبارة ملِكنا السابقة سنفهم بالتأكيد أبعاد الخطوات الرئيسة التي اتخذتها حكومتنا على مدار عام كامل تقريباً من رئاسة (G20). وقبل الدخول في جوهر المكتسبات، لابد أن نعي كيفية عمل مجموعة العشرين، حيث تركز اجتماعات «المسار المالي» على قضايا السياسة المالية والنقدية، ويسلط مسار «الشربا» الضوء على القضايا الاجتماعية والاقتصادية، مثل: الزراعة، ومكافحة الفساد، والمناخ، والاقتصاد الرقمي، والتعليم، والعمل، والطاقة، والبيئة، والصحة، والسياحة، والتجارة والاستثمار، وأما مجموعات التواصل التي تمثل المجتمع المدني ولعبت دورًا محوريًا في تقديم التوصيات المتكاملة لمختلف المجالات المهمة إلى قادة المجموعة للنظر فيها، وتشمل: مجموعات الأعمال (B20) والشباب(Y20) والعمال (L20)، والفكر (T20) والمجتمع المدني (C20)، والمرأة (W20) والعلوم (S20) والمجتمع الحضري (U20).

من المكتسبات أن السعودية حافظت رغم تحديات الجائحة على جدول أعمال مجموعة العشرين، واستضافت أكثر من 170 اجتماعًا افتراضيًا للمجموعة على مدار الأشهر الماضية، وبفضل الله ثم بفضل قدرات أبطالنا في «الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي» في عالم الرقمنة والبيانات من محاربة تأثير الوباء، وتعزيز الأجندة الوطنية نحو رؤية 2030.

لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية، كان أهم الملفات التي قادتها الرياض خلال رئاسة الدورة الحالية -بسبب كورونا- ونجحت في إدارتها بامتياز، فللمرة الأولى بتاريخ دورات مجموعة العشرين، يُصادق وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية للمجموعة على إطار العمل المشترك لمعالجة ديون الدول الفقيرة بما يتجاوز نطاق مبادرة مجموعة العشرين لتعليق مدفوعات خدمة الدين، مع الاستمرار في تطبيقها؛ لتقديم أكبر دعم ممكن للدول المخولة للاستفادة من هذه المبادرة، التي ستمدد حتى منتصف يونيو المقبل (2021).

ومن المبادرات النوعية التي قدمتها السعودية في الدورة الحالية «مبادرة الرياض لمستقبل منظمة التجارة العالمية»، التي هدفت إلى تحديد أرضية مشتركة لمبادئ السياسة التجارية التي يمكن أن توفر الأساس لمناقشات إصلاح المنظمة دون إيجاد مسار مواز للمفاوضات، و«تعزيز التجارة الدولية والاستثمار»، لبناء المرونة في سلاسل التوريد العالمية وتفعيل الاستثمار الدولي.

وكان لرئاسة السعودية ﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ اﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﻗﻮة راﺋﺪة ﻓﻲ ﺗﻤﻜﻴﻦ اﻟﻌﺎﻟﻢ ﺑﺎﻟﺮﻗﻤﻨﺔ ﻓﻀﻼً ﻋﻦ رﻓﻊ أﻫﻤﻴﺔ ﺗﻌﺰﻳﺰ ﺗﻜﺎﻓﺆ ﻓﺮص اﻟﻌﻤﻞ وزﻳﺎدة وﺻﻮل اﻟﺸﺮﻛﺎت اﻟﺼﻐﻴﺮة واﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ إﻟﻰ اﻷﺳﻮاق الرقمية، ناهيك عن دفعها إلى رقمنة التعليم كمتطلب رئيس للتنمية وأحد أبرز المحاور التي تعمل عليها في الوقت الراهن، لإيجاد أرضية مشتركة للنهوض بعملية التحول الرقمي في التعليم باعتباره ضرورة استراتيجية للتنمية البشرية المؤهلة للاقتصاد الرقمي والتنافسية المستدامة.

أخيرًا.. كانت رئاسة المملكة لـG20 فرصة تاريخية لمشاركة رؤية 2030 مع العالم أجمع نظراً لاتساق خطط رؤيتها التنموية مع أهداف مجموعة العشرين، خاصة فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار الاقتصادي الكلي، والتنمية المستدامة، وتعزيز حركة التجارة والاستثمار، وتمكين المرأة.. نهنئ قيادتنا الرشيدة وحكومتنا وشعبنا السعودي النبيل على نجاح بلادنا في إدارة رئاسة الدورة الحالية.