ـ هديّة ولا أروع، تلك التي وصلتني عبر البريد، من القاصّ المبدع ضيف فهد!. كانت الهديّة أعدادًا كثيرة من مجلة “كاريكاتير” الساخرة!.
- مجلّة مصريّة قديمة، استقطبت ألمع كتّاب الأدب الساخر في مصر وقتها: أنيس منصور وعلي سالم وأحمد بهجت وأحمد رجب وغيرهم. ولاقت رواجًا. لا أدري لماذا توقّفت ولا متى!. علامة التعجّب الأخيرة لتأكيد شعوري بخيانتها!. كنت أتلقّف ما يقع بين يديّ من أعداد هذه المجلّة بشغف ومتعة!.
- على طاولة المكتب وضعت الأعداد المُرسلة من “كاريكاتير”: رائحة الورق، الخطوط، الصور والرسومات، العناوين، والفقرات التي رحت أقرأها بسرعة، هزّتني بحنين عميق ودافئ لتلك الأيّام. استعدتُ شغفي، وأعادني شغفي لأيّام الصِّبا!.
- رحتُ إلى ما هو أبعد، وكأن الإرسالية حملت معها: “هاتف من الأندلس” لعلي الجارم، أول قصّة قرأتها في حياتي، بعد قصص الأطفال طبعًا!.
- لا أدري لماذا تذكرت هذا الكتاب بالذات، لكن الذكرى هامت بي في قصة عشق ابن زيدون وولّادة بنت المستكفي، وأخذتُ أردد أبيات قصيدته الأشهر: “أضحى التنائي”. حزنت لأنني لم أعد أحفظها عن ظهر قلب كما في أيام المتوسّطة!. لم أجد في حياتي يأسًا عذبًا مثل قفلة ابن زيدون للقصيدة:
“إن كان قد عزّ في الدّنيا اللقاء بكم...
في موقف الحشر نلقاكم وتلقونا”!.
- الأعمال الجميلة المبهجة، تُجدّد جمالها وبهجتها كلّما التقيت بها من جديد!. أحد أهم أسرار الإبداع في أي عمل فنّي، هو أنك تمرّ به وتظل تنتظره في نفس الوقت!. تلتقيه ويظلّ بينكما موعد لقاء أوّل.. دائمًا!.
- ضحكات زمان عادت!. لم أكن أعرف كم كنت بشوق، وبحاجة إلى هذا الشوق، لأتجدّد عبر هذا القديم الثّريّ!.
- بقي من القول ما هو محرج: يوم عرفتُ أن إرسالية ضيف فهد في الطريق، كنتُ أنتظر بلهفة مؤلّفاته!. لم أكن قد قرأت له من قبل أي كتاب!.
- عرفت ضيف فهد من خلال تغريداته في “تويتر”، وذُهلت من قدرته على التقاط أعمق الأحاسيس بأقل عدد ممكن من الكلمات. بيني وبين نفسي وضعته في خانة النّحّاتين!. وهي صفة أُصنّف بها كتّابًا بعينهم، وما أقلّهم، حين تُشعرني صياغاتهم بفن النحت، حيث الوجوه موجودة في الصخرة “الكتلة” منذ الأزل، لكننا لا نراها!.
- يأتي النّحّات المبدع، لا يُضيف شيئًا، فقط يحذف ويختصر ويُسقِط ويُنحّي ما لم نكن نعرف أنه زائدًا عن الحاجة، فتتكشّف الوجوه والأشكال معلنةً عن وجودها البهيّ!.
- المُخجل المُحرِج، أنني لم أقرأ بعد أي من الكتب الثلاثة المُرسلة من ضيف فهد!. تلك التي كنت أنتظرها بفارغ صبر!. ما زلتُ إلى اليوم مشغولًا بأعداد مجلّة “كاريكاتير”!.
- هل الحنين أقوى من الشوق؟! لا أدري، لكن هذه المرّة نعم!.