الذي يتابع التصريحات الإيرانية هذه الأيام وقبل تسليم الرئاسة الأميركية إلى جو بايدن، يرى أن كرة الثلج تتدحرج باتجاه المواجهة، فحمى التهديدات الإيرانية بدأت بالتصاعد على ألسنة كبار المسؤولين الإيرانيين في الحكومة والحرس الثوري ورجال الدين. ويقول المنطق إن بايدن لا يمكن أن يبدأ عهده بحرب محدودة قد تتحول إلى حرب واسعة في المنطقة.
إلا أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب يفكر بطريقة مغايرة لما يفكر فيه بايدن. فهو لا يتردد في أن ينهي عهده بعملية عسكرية مباغتة تقلب الطاولة على النظام الإيراني والرئيس الأميركي المنتخب في آن. وتم تداول معلومات توحي بأنه تدارس مع كبار مسؤولي إدارته ضرب منشأة نووية كبرى في إيران.
ويرى باحثون عسكريون أن ترمب ظل طوال سنواته الأربع الأخيرة يُقلب بين يديه خططاً عسكرية لتوجيه ضربات محددة إلى أهداف إيرانية رداً على استفزازات الحرس الثوري، سواء في مياه الخليج العربي ضد السفن التجارية وبعضها يحمل علم الولايات المتحدة، أو ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، أو الميليشيات الإيرانية في العراق، أو معسكرات الحرس الثوري في سوريا، أو المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية. لكنه لم ينفذ إلا ضربة واحدة تاريخية قضت على قاسم سليماني وأحد رؤوس الميليشيات العراقية في أوائل العام الحالي عند أسوار مطار بغداد الدولي.
حينها هددت إيران، على لسان مرشدها خامنئي وقادة الحرس والرئيس روحاني بالانتقام لمقتل سليماني. لكن رد فعلها كان باهتاً وضعيفاً وللاستهلاك الإعلامي لا غير. الآن يلوح في الأفق عمل عسكري أميركي مباغت في قلب إيران. لا يختلف اثنان على أن ترمب أكثر رؤساء الولايات المتحدة سخطاً على النظام الإيراني الإرهابي، لكنه لجأ إلى أقصى وأقسى العقوبات بعد أن أضاع وقتاً ثميناً في التهديد والوعيد من دون أن نرى دخاناً أبيض أو أسود. حتى الرئيس بوش الابن الذي رفع شعار «دول الشر الثلاث كوريا الشمالية وإيران والعراق» لم يقترب من كوريا ولا إيران، وركز قراره على العراق لاحتلاله وتدميره لأن بوش كان يعلم جيداً أن العراق خالٍ من أي أسلحة دمار شامل. ووصل الحقد على العراق إلى أن يُسلم الاحتلال الأميركي بلاد الرافدين لقمة سائغة للنظام الإيراني المتخلف.
نحن الآن أمام الحائط؛ فقد قالت الرئاسة الفرنسية إن برنامج إيران النووي «وصل إلى عتبة تعد خطيرة وبات أقل قابلية للمراقبة اليوم عما كان عليه خلال سريان اتفاقية فيينا التي ألغاها ترمب من طرف واحد». لكن باريس دعت بوضوح إلى «توسيع المفاوضات مع إيران لتشمل دورها الإقليمي وصواريخها الباليستية». يأتي ذلك مع تقرير جديد للوكالة الدولية للطاقة الذرية كشف أن إيران بدأت تضخ غاز سادس فلوريد اليورانيوم في أجهزة طرد مركزي جديدة تم تركيبها في منشأة نطنز. وأكد هذا الكشف مندوب إيران لدى الوكالة الدولية، وأضاف أن بلاده تملك الآن 174 جهازاً للطرد المركزي في مصنعين لتخصيب الوقود النووي في منشأة نطنز تحت الأرض. وكانت وسائل إعلام إيرانية حكومية قد اتهمت إسرائيل في يوليو (تموز) الماضي بأن لها دوراً في حريق شبّ في هذه المنشأة التي تبلغ مساحتها 100 ألف كلم مربع وتقع على عمق 8 أمتار تحت سطح الأرض في وسط إيران.
أيها السادة: هذا فيلم «أكشن» أميركي من طراز أفلام الخيال العلمي يليق بما يحدث في إيران من إرهاب ودجل وتآمر وتسلل إلى البلدان العربية المجاورة. ويُجمع سياسيون وإعلاميون على أن رهان النظام الإيراني على الرئيس المنتخب جو بايدن نوع من «الروليت» الذي يخسر فيه اللاعب أكثر مما يربح.
ويسعى نظام الملالي الى إعادة عرض فيلم «الاتفاق النووي الإيراني» الذي أخرجه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، ورماه جانباً الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب. فسيد البيت الأبيض الحالي على وشك تسليم المفاتيح إلى سيد البيت الأبيض الجديد جو بايدن. ويعتقد النظام الإيراني أن الرئيس الجديد الذي كان نائباً للرئيس أوباما يأمل في عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي كأن شيئاً لم يكن. وهو أمر ترفضه طهران، فهي تريد إجراء «مونتاج» جديد كامل للفيلم الذي توقف عرضه قبل أكثر من عامين. فإيران أصبحت أقرب إلى القنبلة النووية من أي وقت مضى، بعد أن استغلت حالة التراخي الأميركي عن مراقبة برنامجها النووي، غير عابئة بتهديدات ترمب التلفزيونية وتغريداته الإلكترونية التي ثبت أنها صرخة في الوادي.
وما دمنا قد أشرنا في السطور السابقة إلى أن طهران ترغب في إعادة عرض فيلم «الاتفاق النووي» بعد المونتاج، فلا بأس في التذكير بأن الناقد السينمائي الإيراني فضل الله باري قال منذ سنوات «إن معظم جوانب الحياة في إيران أصيب بجلطة دماغية نقل بسببها إلى العناية المركزة، ومنها السينما الإيرانية التي كانت في زمن الشاه مزدهرة وتقترب من نجاح الأفلام الهندية، وصار الوضع أشبه بمريض يعالج في قسم العناية المركزة وهو مسج عل فراش الموت، ويتحلق حوله الأبناء والأقارب والمحبون والمسؤولون والأعداء لرصد أنفاسه الأخيرة. وهم اختاروا أبيات الشعر التي سوف تكتب عل شاهد قبره، والصدقات التي ستوزع في ذكرى الأسبوع والأربعين على وفاته». واعتقلت السلطات الإيرانية عدداً من المخرجين من بينهم نوري زاده وجعفر باناهي. وسبق أن اعترضت قو إيرانية متشددة عل عرض فيلم «العائلة المحترمة» للمخرج فريدون جيزاني بحجة أنه يقدم صورة قاتمة عن مرحلة الحرب العراقية - الإيرانية التي منيت فيها إيران بهزيمة قاسية، لكن العراق قدم أيضاً تضحيات كبيرة في تلك الحرب المنهكة. ومن المفارقات أن بعض الأفلام الإيرانية القديمة كانت تعرض في دور السينما العراقية في بغداد والمحافظات الشمالية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي قبل سقوط الشاه، وهي تقدم قصصاً مأساوية أو كوميدية أو غنائية على طريقة الأفلام المصرية القديمة.
المشكلة أن فيلم «الاتفاق النووي الإيراني» احترق مع قائد فيلق القدس قاسم سليماني.