يقول وليم شكسبير "اهتم بمن يهتم بك أما البقية فرد التحية يكفي".
تذكرت هذه المقولة وأنا أقرأ رسالة وصلتني عبر بريدي الإلكتروني، يقول صاحبها: أنا شخص اجتماعي أشعر بالتعاسة حين لا يكون حولي جمع من الناس، أعشق المبادرة وروح العطاء ولم أتوقف يوما لأسأل نفسي من أمنحهم مشاعري ووقتي هل يستحقون أم لا؟
حين أسمع عن خيانة الأصدقاء "وقلة خاتمتهم" أوقات الشدة، كنت أستبعد أن يكون أصدقائي من هذه النوعية، أعوام مرت وأنا أستمتع بصداقتهم وقضاء الوقت سوية، لكن الحياة لا تمنح دروسها بالمجان، بل تهشم روحك وتعصر قلبك وتسحق مشاعرك أن تستوعب الدرس جيدا. أصبت بفشل كلوي وبعده بستة أشهر خسرت تجارتي وأصبحت مديونا. بدأ الأصدقاء ينسلون من حياتي كما تنسل الشعرة من العجينة، اختفوا واحدا تلو الآخر، لم يعودوا يجيبون على اتصالاتي ولا حتى رسائلي النصية، كأنه كان للكون مصابيح ثم بدأ أحدهم بإطفائها حتى عم الظلام تماما. مررت بضائقة مادية صعبة جدا، كنت لا أجد حتى ثمنا لبنزين سيارتي، ومع الأسف لم أجد من يمد يده نحوي بالمساعدة وأنا الذي بعثرت أعوام العمر في منحهم كل ما طلبوه مني.
كانت فترة عصيبة تلك التي مررت بها، اختبرت فيها ثقتي بالآخرين، وكفرت بالصداقة، وآمنت بأنه لم يعد لها وجود في عالمنا. اليوم من فضل الله - تعالى - استعدت صحتي بعد زراعة الكلية، وعادت تجارتي أفضل من السابق، لكني أغلقت أبواب حياتي أمام الآخرين، واكتفيت بزوجتي وأهلي وأطفالي.. فهل أنا مخطئ؟
نعم يا أخي، أنت مخطئ، أغلب المواقف العصيبة التي نمر بها هي نتيجة خياراتنا السيئة، واندفاعنا في العطاء اللامحدود مع انتظارنا التقدير والعرفان من الطرف الآخر. صحيح أننا لا نختار أقدارنا وأهلنا وأسماءنا، لكننا نختار أصدقاءنا وأزواجنا وأهدافنا وأفكارنا.
كل خيارات الحياة التي نتخذها علينا أن نتحمل نتائجها، ومنها الأصدقاء المزيفون، الذين تظهر حقيقتهم في الأزمات وأوقات الشدة. الصديق الذي لا يكون مظلتك في أوقات المطر الشديد، أنت في غنى عنه، الصديق الذي لا يكون عكازك حين يختل توازنك، أنت في غنى عنه، والصديق الذي لا يكون معطفك حين يسكن الصقيع جسدك، أنت في غنى عنه.
وخزة
لا تسمح للأصدقاء المزيفين أن يدفعوك لتكون شخصا تعيسا يغلق أبواب حياته أمام عظمة الصداقة الحقيقية.