قديمًا كانت في مكة امرأة حمقاء مصابة بالوسوسة تدعى (ريطة بنت عمرو بن سعد بن كعب).. تقوم بأمر الجواري لديها يومياً بغزل الصوف والنسيج حتى يجعلنه محكماً قوياً، وفي نهاية اليوم وبعد الانتهاء من الغزل تأمرهن بنقض الغزل! وكأنه لم يكن، في مثلٍ صريح لإهدار الوقت والمجهود هباءً منثورًا. ومن فرط حماقة ريطة ضُربتْ مثلاً في القرآن الكريم على من يقومون بهدم ما بنوه بأيديهم، في قوله تعالى في سورة النحل: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا}. وهي آية ربانية صريحة حكيمة وبليغة، تحذر من إهدار الوقت والجهد وتقويض ما نبنيه بأيدينا ثم نهدمه بأيدينا أيضًا! الأمثلة لريطة الحمقاء في حياتنا اليومية كثيرة سواء في البيت أو الشارع أو العمل أو أي مكان آخر!

فما جدوى أن نستهلك وقتًا وجهدًا ومالاً في أمور غير مجدية؟ تماماً مثل الأم التي تظل في المطبخ طيلة النهار ثم تقدم ما طبخته لأبنائها وهي تصرخ، أو حتى بتضجر وملل، كل هذه مشاعر سلبية لن يشعر بسببها الأبناء بقيمة الوجبة ولذتها، ففي ذلك إهدار لطاقتها وتضييع لحقها. ومن غير المعقول أن يسهر الشخص الليالي ويفني ذاته في العمل ثم يكون لسانه سليطاً مع زملائه! ومن الحماقة أن يحفر شخصاً الأرض ويغرس الشجر ثم يقوم بريها بالبنزين فتموت الأشجار التي غرسها! وكيف لشخص أن يهدر وقته وجهده وماله في إنشاء عقار مكون من خمس طوابق مثلاً دون وضع أساس متين لها، ففي النهاية سيضطر لهدمه لعمل الأساس أولاً ثم يبنيه مرة أخرى؟ ومن الغباء أن يجتهد الطالب طوال العام في الدراسة وفي الامتحان يتسرع في الإجابة فتكون النتيجة سقوطاً مدوياً! وهل يمكن أن ينفق أب على ابنه آلاف الريالات ليتفوق في الدراسة وما أن تظهر النتيجة ويبشره بنجاحه وتفوقه فيتجاهل الأب ذلك النجاح ولا تصدر عنه ولو كلمة تهنئة بسيطة تشجعه على مواصلة هذا النجاح!

ومن المؤسف أن تقف امرأة بجوار صديقتها في محنتها ثم تعايرها بعد ذلك! وليس مقبولاً أن تتصدق على الآخرين ثم تتبع الصدقات بالمنّ والأذى فتمحو بيدك أجر الصدقة!

كل ما سبق نماذج عديدة نعيشها في حياتنا اليومية لحالات نقض الغزل فنرى ما يشبه بمن يحاول أن يتعلم السباحة على رمل أو حصير فاستهلك وقته وجهده بلا جدوى، فلم يذهب إلى المكان الطبيعي لتعلم السباحة. ويتبقى.. أن العبرة بالخواتيم حتى لا نصبح نسخة من ريطة الحمقاء!