هناك سؤال مهم: كيف إذن يمكننا الحد من عدم اليقين وتدعيم الجسر الموصل إلى التعافي؟ ومن أولى الحلول تجنب الإنهاء المبكر للدعم الذي تقدمه السياسات: ففي بعض الاقتصادات، هناك إمكانية لزيادة الدعم من المالية العامة في العام المقبل، إضافة إلى الدعم المدرج في الميزانية الحالية. وبالنسبة للدول التي تمتلك حيزا ماليا محدودا، سيكون ضروريا إعطاء أولوية للإنفاق الموجه لحماية الفئات الأكثر تعرضا للمخاطر وإعادة توزيع الموارد لهذا الغرض. ومن المهم بالقدر نفسه مواصلة التيسير النقدي ودعم السيولة لضمان تدفق الائتمان، خاصة إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة، مع تكميل ذلك بسياسات ملائمة للقطاع المالي. ومن شأن هذا أن يساعد على دعم النمو والوظائف والاستقرار المالي.
- بدء الاستعداد لدفعة متزامنة من الاستثمارات في البنية التحتية بمجرد إحكام السيطرة على الجائحة، وذلك لتنشيط النمو، والحد من الآثار الغائرة للأزمة، والعمل على تحقيق الأهداف المناخية. وحيثما كان هناك مستوى مرتفع من الطاقة المعطلة، يمكن لهذا النوع من استثمارات القطاع العام أن يساعد على تحريك الاقتصادات نحو التشغيل الكامل مع تعزيز إنتاجية القطاع الخاص.
إضافة إلى ذلك، يوضح البحث الجديد الذي أجراه خبراء الصندوق أن هناك مكاسب كبيرة يمكن تحقيقها من خلال الاستثمارات المتزامنة لدول مجموعة العشرين. فإذا قامت الدول التي تمتلك أكبر حيز مالي بزيادة متزامنة في إنفاقها على البنية التحتية بنسبة 0,5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2021 و1 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في الأعوام التالية، وإذا استثمرت الاقتصادات ذات الحيز المالي الأضيق بثلث هذه النسبة يمكن رفع إجمالي الناتج المحلي العالمي بنسبة تقترب من 2 في المائة مع حلول عام 2025، مقابل نسبة تقل قليلا عن 1,2 في المائة في ظل منهج الاستثمار غير المتزامن. وبعبارة أخرى، إذا تحركت الدول بشكل منفرد، يمكن أن يزيد إنفاقها بنسبة الثلثين من أجل تحقيق النتائج نفسها. والخلاصة هي أننا إذا عملنا معا فسيكون بإمكاننا تحقيق فعالية أكبر بكثير في بناء زخم يدفع النمو والوظائف ومعالجة تغير المناخ.
وبشأن بناء الأسس اللازمة لاقتصاد أفضل في القرن الـ 21: تكمن أهم جوانب عدم اليقين التي تواجهنا اليوم في كيفية الاستفادة من لحظة الاضطراب الحالية لبناء اقتصاد أفضل للجميع. وكان هذا هو محور تركيز قادة العالم عند لقائهم في منتدى باريس للسلام الذي عقد منذ أسبوعين، واحتل صدارة اهتمامات قادة مجموعة العشرين في قمتهم أخيرا.
وكلنا يدرك أن الاستدامة البيئية يجب أن تكون من أهم أحجار الزاوية في اقتصاد أكثر صلابة واحتواء للجميع. ويتطلب هذا مزيجا قويا من الإجراءات، بما في ذلك إعطاء دفعة للاستثمارات الخضراء ورفع أسعار الكربون بالتدريج. وتشير تقديراتنا إلى أن هذا النوع من حزم السياسات يمكن أن يرفع إجمالي الناتج المحلي العالمي ويوجد نحو 12 مليون وظيفة جديدة على مدار عشرة أعوام، مع وضعنا على مسار مؤد إلى تحقيق انبعاثات صفرية مع حلول منتصف القرن.
غير أن هناك أمرا واضحا في هذا الصدد، وهو أنه إذا أردنا الاستفادة من مزايا النمو الأخضر وتحقيق الإمكانات الكاملة للاقتصاد الرقمي، فعلينا دعم العاملين في فترة انتقالهم من القطاعات المنكمشة إلى القطاعات المتوسعة. والإنفاق الاجتماعي أمر حيوي بالضرورة، بما في ذلك زيادة الاستثمار في التدريب، وإكساب العاملين مهارات جديدة، والتعليم عالي الجودة. ويكتسب هذا أهمية خاصة بالنسبة للعاملين ذوي المهارات المحدودة والمتوسطة، الذين يضمون نسبة أكبر من النساء والشباب، نظرا لأن هذه الفئة من العاملين تلقت ضربة أكبر نسبيا من جراء الأزمة.
وهناك حجر زاوية آخر هو الاستدامة المالية. فالدين العام العالمي الذي بلغ مستوى قياسيا هو تركة أساسية من تركات الأزمة. وسيكون ضروريا معالجة هذا التحدي على المدى المتوسط، بما في ذلك عن طريق إدخال أدوات جديدة في النظم الضريبية تتيح تعبئة الإيرادات على نحو عادل. لكن يتعين القيام بتحرك عاجل وفوري حيال الوضع في كثير من الدول منخفضة الدخل التي تتحمل أعباء مديونية ثقيلة، بما في ذلك إتاحة مزيد من المنح، والقروض الميسرة، وتخفيف أعباء الديون.
وقد كان دور مجموعة العشرين أساسيا في هذا الصدد. فمبادرتها المعنية بتعليق مدفوعات خدمة الديون منحت كثيرا من الدول منخفضة الدخل متنفسا مؤقتا في حربها ضد الفيروس. ويذهب الإطار المشترك الجديد الذي تم الاتفاق عليه بدعم من نادي باريس، إلى أبعد من ذلك: فهو إذا نفذ بالكامل، سيتيح للدول الأفقر طلب تخفيف أعباء الديون على أساس دائم، مع ضمان تفاوض كل الدائنين على قدم المساواة.
وأخيرا، الدعم العالمي الذي يتجاوز نطاقه مجموعة العشرين، فالجهود متعددة الأطراف مطلب حيوي لمساعدة أفقر الاقتصادات على اجتياز الأزمة. وينطبق هذا على الجهود المتواصلة لدعم التجارة القائمة على قواعد، والدفع لتحقيق نظام دولي للضرائب يسهم فيه الجميع بنصيب عادل، وتقوية شبكة الأمان المالي العالمية. وبغير هذه المقومات، سيتفاقم عدم المساواة، وسيواجه الاقتصاد العالمي تحديات أكبر في الفترة المقبلة.
ونحن في صندوق النقد الدولي بادرنا بالتحرك لمواجهة الأزمة على نحو غير مسبوق، وهو ما شمل تقديم تمويل جديد يتجاوز 100 مليار دولار لـ 82 بلدا وتخفيف أعباء مدفوعات خدمة الدين عن أفقر دولنا الأعضاء. ونهدف إلى القيام بأكثر من ذلك لمساعدة دولنا الأعضاء الـ 190 في سعيها لتجاوز الأزمة وبناء اقتصاد أفضل بعد الجائحة.