أظهرت أزمة كورونا مدى تشعب ونفوذ التيار الشعبوي في مجتمعاتنا ومجالسنا الخاصة، حيث إنه مع اختلاف درجات الشعبوية بين دولة وأخرى إلا أنها جميعاً تسوق لأفكار وسياسات عنصرية ضد الأجانب والتحقير من الأقليات والنساء، وتحرض على التقليل من جهود الحكومات والمؤسسات الدستورية وترتزق بالفئات الأقل حظاً والأقل وعياً وتعليماً.

منذ شهور طالبت نائبة في مجلس الأمة الكويتي بترحيل الأجانب من بلادها، (قبل انتخابات المجلس)، وتدندن على وتر يبيع بغض النظر عن مدى فاعلية أو جدوى قرار مثل هذا!

لتأتي بعدها، وخلال موجة أزمة كورونا الطاحنة، ممثلة كويتية مشهورة تطالب بترحيل الأجانب إلى بلدانهم، وتصرخ على شاشة التلفاز «الدول ملزمة فقط بعلاج مواطنيها»!!

الشعبوية، موضة سياسية وثقافية واجتماعية يستعملها البعض للقفز على الأكتاف واللعب على الأوتار الحساسة لدى العامة، فاليوم نرى الأحزاب اليمينية مثلاً تستعملها بحجة إخفاقات الحزب اليساري في إدارة الحكومات لينتشر بعضها هذا الأداء من السياسة مثل النار في الهشيم!

تماماً مثلما للأحزاب الشعبوية انتصارات تاريخية انتخابية في بريطانيا وإيطاليا وفرنسا والبرازيل والهند.

لم يكن للرئيس الأمريكي ترمب أن يحصد أكثر من 70 مليون صوت في الانتخابات الأمريكية، لولا أن المصوتين كانوا يحسون بالأمان الوظيفي والمستقبلي في بلادهم، فهم راهنوا على الصوت الشعبوي الذي يدغدغ مشاعرهم بغض النظر عن الصورة الكبرى لأوطانهم وبغض النظر عن عنصرية وكرة وطبقية ترمب مع غيره.

الكل يبحث عن العدالة والحق بالعيش الكريم، وللأسف العالم حتى اليوم لم يقدم نماذج خالية من الأشواك والألغام، ولا يبدو أن هناك عصاة سحرية تصلح الحالة العالمية.

ابنتي منذ أسبوعين (١٢ عاماً)، جاءت تسألني:

«صحيح يا ماما إذا بايدن فاز وأصبح رئيس أمريكا سيفجر الشرق الأوسط»، فحتى الأطفال تلبستهم انتخابات أمريكا (بايدن وترمب)، وداهمتهم السياسة وأقلقت طفولتهم!

الشعبوية تبيع بمنطقتنا أكثر من أي ممارسة سياسية أخرى، والتاريخ أكبر شاهد علينا وعلى عاطفتنا البليدة والطاغية في شرب المقالب، فكان لجمال عبد الناصر جولات داخل الذهن العربي وصولات أليمة في تاريخ منطقتنا، التاريخ الذي باعه على الشعوب العربية، وهو يقف فوق المنابر يخطب لعروبة زائفه وأحلام وهمية حتى وقعت الكارثة وأفاق الكل من سبات عميق ليموت من يموت ويعيش من يعيش وينتحر من انتحر ولا نتعلم من دروس التاريخ!