يقول لويس باستور "ضربة الكلمة أقوى من ضربة السيف".
من يزهق روح شخص يسمى قاتلا ويلقى جزاءه الذي يستحقه بالقصاص بعد محاكمته، لكن يعيش بيننا قتلة من نوع آخر لا يقلون بشاعة عن هؤلاء. الفرق بينهم أن القاتل الحقيقي يجهز على ضحيته وينهي حياته سريعا، لكن القاتل الآخر يتلذذ برؤية ضحيته يتلوى من الألم إلى نهاية العمر، وهو واثق أن لا أحد سيحاسبه، لذلك يبدع في اختيار أشد أنواع الأسلحة فتكا ووجعا وألما!
هذا القاتل يستهدف المشاعر والأحاسيس والأفكار فيفرغ فيها سموم كلماته السوداوية وخبث نياته وسواد روحه، ثم يرسلها إلى قلوب ضحاياه غير عابئ بنتائجها المؤلمة عليهم. تشكو زوجة من متاعبها مع زوجها وكثرة مسؤولياتها تجاه منزلها وأطفالها وعدم ارتياحها في حياتها، فتقول لها القاتلة "وما الذي يدفعك للتحمل والصبر ودفن شبابك مع زوج لا يقدرك ولو تزوج بأخرى لرأيته كيف يتغير ويصبح رومانسيا. ارمي أطفاله عليه وعيشي حريتك واستمتعي بحياتك..."، فتخرب عليها حياتها وتتركها محطمة تبكي على الأطلال، لا هي "اللي طالت بلح الشام ولا عنب اليمن"!
يشكو إلى رفيقه عقوق ولده المراهق وقسوة قلبه وعدم معاملته له باحترام، فيرد عليه القاتل، "لو كنت بمكانك لطردته من المنزل وحرمته من المصروف والسيارة وربما هذا عقاب لك من الله لسوء تربيتك له في الصغر وتدليلك له وعدم حثه على الصلاة..."، هذه الكلمات المسمومة أفسدت آخر العلاقات الواهية بين الأب وابنه وجعلت الأب يشعر بالحسرة والرثاء على نفسه!
يفضفض إلى صديقه عن تسلط مديره في العمل وطول ساعات الدوام وكثرة المراجعين وعدم وجود حوافز، فيشحنه القاتل برد الصاع صاعين لمديره وعدم الاستجابة لأوامره... وتكون النتيجة فصله من عمله واختفاء القاتل من حياته وعدم الرد على اتصالاته!
هؤلاء القتلة لا يسفكون دماء ضحاياهم ولا يزهقون أرواحهم، لكنهم يدمرون قلوبهم ومشاعرهم بالكلمات المسمومة التي تسحقهم سحقا.
رصاص حروفهم وسموم كلماتهم تطول كل فتاة لم تتزوج وكل زوجة لم تنجب وكل تلميذ لم ينجح وكل شاب أخفق مشروعه الأول، وكل أب وأم يعانيان عقوق أبنائهما وكل مشهور انكشف ستره! استمتاع القتلة بتألم الآخرين لن يدوم طويلا، فكل ما يرسلونه من الكلمات المسمومة والنيات السوداء سيعود إليهم يوما ما!
وخزة
من السهل أن تخرق قلبا لكن من الصعب أن ترقعه مرة أخرى، لذلك أخبرنا الحبيب - عليه الصلاة والسلام - أن «الكلمة الطيبة صدقة».