فعاليات عدة تحفل بها دول العالم هذه الأيام وعلى مدار 16 يوماً، بدأت يوم 25 نوفمبر الماضي، لتنبيه سكان الكوكب إلى «الجائحة الخفية». العالم الذي يواجه جائحة فيروسية تحصد الأرواح وتصيب الملايين وتهدد الجميع منذ نحو عام، يواجه جائحة أخرى متوطنة منذ قرون. الجائحة الخفية هي العنف الممارس ضد الإناث، وهو عنف خبيث، حيث السكون سمته والقبول غطاؤه، واعتباره قضية غير ذات أولوية سر استدامته.

يسمونه في بعض الثقافات تكريماً عبر الحجب والمنع. ويطلقون عليه في مجتمعات أخرى تأديباً وتقويماً، وفي ثالثة حوادث فردية لا ترقى إلى الظاهرة، وفي رابعة خصوصية لا يحق لأحد دس أنفه فيها، وفي خامسة يتذرعون بسكوت النساء، بل دعمهن لمظاهر العنف، لإبقاء الأوضاع على ما هي عليه. ويخطئ من يظن أن العنف الممارس ضد الإناث ظاهرة شرقية أو عربية، بل واقع الحال وحديث الأرقام يشيران إلى أنها ظاهرة أممية، وإن اتخذت كل أمة لنفسها شكلاً مختلفاً، وأغرقت في نوع مميز من العنف الممارس ضد نسائها وفتياتها.

النساء والفتيات، وبحكم كونهن الحلقة الأضعف تاريخياً، قفزن إلى الصدارة بجائحتهن الخفية في زمن الجائحة الفيروسية. ومنذ عم الوباء أرجاء الكوكب قبل عام، والنساء والفتيات يخضعن لقدر متزايد من العنف، لا سيما المنزلي. ولأن الخدمات الصحية والنفسية مستنفذة في زمن «كورونا»، فقد بات وصول النساء لها بالغ الصعوبة. وبينما الوباء يواصل موجاته الثانية وربما الثالثة، يتوقع أن تستمر المعاناة المضاعفة لنساء الكوكب، وإن كانت بدرجات متفاوتة.

والتفاوت يخبرنا أن دولاً عدة في منطقتنا العربية، قطعت أشواطاً على طريق حماية نسائها وفتياتها من العنف بصوره المختلفة، مع تصحيح العديد من الأنماط الثقافية المتوارثة المجحفة للمرأة. ولأن البعض احترف اعتبار كل حديث عن التمكين هو عمل على هدم الأسرة وقلب الموازين الاجتماعية، فإن الخطوات والبرامج التي تجري على قدم وساق في العديد من دولنا تثبت، بالحجة والبرهان، أن تمكين المرأة هو تمكين للمجتمع، وأن ضبط الموازين الاجتماعية هو ضمان للصحة والرفاه والتقدم، وليس العكس.

في مصر مثلاً، لا يقتصر الأمر على ملايين النساء البسيطات اللاتي يعملن ويحفرن في الصخر بصمت وهن العائل الأوحد لأسرهن، أو تقلد المرأة مناصب وزارية ورسمية بارزة بشكل متزايد منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرئاسة في عام 2014، أو بزيادة التمثيل التمثيل النيابي، أو بإشاراته الدائمة للأدوار المتعددة والمتشابكة التي تلعبها المرأة المصرية، مع توجيه التحية الدائمة لها، ولكن تمتد لمحاولات وجهود واضحة لإماطة الأذى الثقافي والاجتماعي اللذين لحقا بنساء مصر على مدار سنوات طويلة بسبب فتح الأبواب على مصراعيها أمام تسلل جماعات «الإسلام السياسي» لإطباق قبضتها على المجتمع وإعادة المرأة المصرية عقوداً إلى الوراء.

أما في الإمارات، فإن وراء كل إنجاز تحققه المرأة قيادة سياسية لطالما ناصرت المرأة وأعطتها كامل حقوقها ودفعت بها للصدارة. وقد حدث ذلك في الإمارات في وقت لم يكن الحديث فيه عن حقوق النساء أو تمكينهن من الأحاديث الرائجة عربياً. بدأت رحلة المرأة الإماراتية نحو الصدارة مع دعم المغفور له الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، في سنوات التأسيس الأولى للدولة، واستمرت الرحلة قدماً منذ ذلك الحين. في عام 2004، شهدت الإمارات تعيين أول وزيرة. واليوم تفاخر بتسع وزيرات، بالإضافة لبلوغ نسبة عضويتها في المجلس الوطني الاتحادي 50 في المئة، وهو ما جعل الإمارات ضمن أكثر أربع دول في العالم تمثيلاً للمرأة في البرلمان. وبالطبع امتد تمكين المرأة الإماراتية إلى مجالات المال والأعمال والتوظيف والتعليم لتصبح بحق شريكة في البناء.

ولأن بناء المجتمعات لا يصح إلا بضلوع الجميع، دون استثناء طرف أو تحجيم آخر، فقد سارعت المملكة العربية السعودية إلى تعويض المرأة ما فاتها من فرص للمشاركة في البناء على مدار سنوات طويلة. وقبل أيام تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن المعاناة التي تكبدتها المرأة السعودية لعشرات السنين، وهي المعاناة التي تجسدت في مظاهر عدة بينها عدم قدرتها على السفر دون تصريح، أو المشاركة ولو حتى بالحضور في الفعاليات الثقافية والرياضية، أو إنجاز قضاياها دون محرم، أو قيادة السيارة.

ورغم أن كثيرين يختزلون ما يجري في السعودية من تمكين للمرأة لتكون شريكة بناء وتقدم، في قيادة السيارة، إلا أن المسألة أبعد من ذلك بكثير. فهي تتعلق بتمكين المرأة «كي تقود التنمية في وطنها بالمعنى الأشمل» كما يؤكد الأمير محمد بن سلمان. مظاهر العنف المختلفة ضد المرأة – ولو بإقصائها - لا تزال موجودة، لكن جهود تمكينها تسابق الزمن والنتائج تتحدث عن نفسها.