تشرفت بدعوتي إلى الانضمام لنخبة فكرية Think Tank، تنظمها وزارة التعليم والتوظيف في جمهورية مالطا، تلك الدولة الصغيرة الجميلة التي كانت ومازالت تلعب دوراً استراتيجياً في البحر الأبيض المتوسط، وتتميز بتعدد ثقافاتها وارتباطها بالتراث والتاريخ العربي حتى في اللغة، وكما يتضح من اسم الوزارة فهي تجمع التعليم والتوظيف سوياً، حيث لابد أن يرتبط نظام التعليم ومخرجاته بسوق العمل، وفرص التوظيف على مستوى الدولة.

تمتد الفعالية على مدار ثلاثة أسابيع مسبوقة ومتبوعة أيضاً بالكثير من الفعاليات الأخرى، من أجل استمزاج كل المعنيين، وأيضاً الاستفادة بآراء خبراء من دول مختلفة ومن شتى التخصصات.

ما لفت انتباهي، وأتمنى أن ننتبه له في أنظمتنا التعليمية التي تحتاج لإصلاحات حقيقية بطريقة مدروسة ومنهجية، هو التركيز على تنويع فرص التعلم باختلاف مهارات الطلاب، وباختلاف اهتماماتهم، والتخلص تماماً من نظام «مقاس واحد يناسب الجميع» الذي تتبعه معظم الأنظمة التعليمية حالياً.

مازالت نظم التعليم في العديد من المدارس حول العالم يتم فيها تعليم الأطفال الطاعة وإكمال المهام في الوقت المحدد، وتقديم الإجابات «النموذجية» للأسئلة من دون إطلاق العنان لأفكارهم، ومنحهم الفرصة لاستكشاف مواهبهم، بل يجب عليهم العمل حسب التعليمات، والقيام بما يُطلب منهم.

تخلق المدرسة النموذجية وفقاً لهذا المفهوم التبعية والضعف، ومن خلال إهمال الفردية الإنسانية والديمقراطية والحرية والروحانية والإبداع، والكثير من القيم المهمة، ولا يتم التركيز على حل مشكلات الحياة الواقعية، أو صنع القرار التعاوني، أو الاهتمامات الفردية، أو الدافع الداخلي أو التفكير الإبداعي.

معظم الأنظمة الحالية تركز على الدرجات والنجاح في الاختبارات، وفي ظل ذلك استشرى سرطان الدروس الخصوصية، وفي النهاية نجد المخرج مجرد آلة حفظ واسترجاع، وللأسف فمعظم دول العالم على مدى الـ100 عام الماضية لم يتحسن فيها الوضع كثيراً، بل مازال هناك هوس بنتائج الاختبارات وتصنيف الجامعات والوضع الوظيفي، ما أدى إلى إهمال جوانب مهمة أخرى، مثل الفنون والإبداع والمجتمع، والتعلم الذاتي والروحانية، والرحمة والحكمة، مثلما تقوم المصانع بتصنيع الأطعمة السريعة ومعالجتها، حيث يتم التخلص من العناصر الغذائية الأساسية والمكونات الصحية، يحدث الشيء نفسه مع الكثير من أنظمة المدارس الحالية، التي يمكن أن يطلق عليها مصنع وليس مدرسة.

لقد حذر أينشتاين وماريا مونتيسوري وجون ديوي وغيرهم، من مساوئ تلك النظم العقيمة التي تعيق التعلم بدلاً من أن تسهله.

وحتى يتم إصلاح التعليم لا ينبغي أن يترك القرار لوزارة واحدة، بل لابد أن تكون هناك مبادرات وطنية ودولية للاستفادة بكل الخبرات محلياً وعالمياً، كما ينبغي الاستماع لرأي المعنيين الأساسين أنفسهم، وهم الطلاب والمعلمون والأهل.