تبقى قراءة المغاربيين والأفارقة للعمليات التفكيكية للخلايا الإرهابية التي يقوم بها المغرب واجبة من عدّة جهات، لأنها في العمق ليست شأناً مغربياً فقط، بل هي شأن مغاربي وإفريقي يؤسّس لخيارين، إمّا أمن المنطقة واستقرارها، أو وقوعها في شراك الفوضى والحروب الأهلية.

لا بد من التذكير بمناسبة تفكيك شرطة مكافحة الإرهاب المغربية لخلية مكونة من 4 أفراد تنشط في مدينة طنجة، ويشتبه في موالاتها لتنظيم «داعش»، في الرابع من ديسمبر الجاري، وأن المغرب قد نجح لحدّ الآن في تفكيك أزيد من 200 خلية منذ 2003، أي بمعدل خلية كل شهر.

وللإشارة، فإن أغلب هذه الخلايا التي يتم دحرها أخيراً في المغرب قد عجزت عن الالتحاق بمعسكرات تنظيم «داعش» في منطقة الساحل جنوب الصحراء، نظراً لصرامة الأجهزة الأمنية المغربية، ويقظتها في مراقبة التحركات المشبوهة، وسرعة رصدها عبر الحدود المغربية.

إن الفضل الأمني للمغرب على المنطقة يكمن في بناء استراتيجية واقعية لمكافحة الإرهاب تتعقّب جذوره وتجلياته وتنقلاته في مختلف جهات المنطقة والعالم، وعياً منه بأن الإرهاب فكرة خبيثة متجولة في كل البلدان، فما يحدث هناك قد يحدث في المغرب بالتأكيد، ووفقاً لهذه الرؤية الشمولية، بنى المغرب دليلاً عمليّاً لدحض خطط داعش الجديدة التي لم تعد تربطها أي علاقة مباشرة بخلاياه المتناسلة منه، نظراً لمراهنة هذه الخطط على التكنولوجيا وعلى صناعتها لما يسمّى بالإرهاب السيبراني.

وحيث إن تنظيم داعش، الذي توارى في سوريا والعراق، بدأ ينمو في منطقة الساحل والصحراء، في ظل النزاع في ليبيا، وفي دول فقدت السيطرة على أمنها مثل مالي، فإنّ مسؤولية دول جوار المغرب تبقى ثابتة حيال ما قد يقع من انفلات أمني مرتقب، لأن واقع التعنت السياسي لبعضها وتقاعسها عن القيام بمبادرات تشاركية، يعزز فيها دور المغرب في مكافحة الإرهاب، لن يؤدي إلا إلى كارثة التفكك والانهيار، خاصة إذا علمنا أن شبكات الجريمة المنظّمة وتهريب المخدرات والأسلحة والبشر، قد بدأت تتخفى في السنين الأخيرة في أدوار سياسية منظمة وخطيرة تمثل تهديداً محققاً لسلامة المنطقة واستقرار شعوبها.

ولم يعد خافياً أنه قد ثبت تورُّط جبهة البوليساريو في تهريب الأسلحة والاتجار بالبشر بشهادة من مانويل فالس الوزير الأول الفرنسي لمّا حل على التلفزيون الإسباني (أنتينا 3) في أواخر شهر نوفمبر الماضي، وقد سبق لموقع ويكليكس في فبراير 2012 تأكيده على تورّط البوليساريو في عمليات الاتجار في 18 طناً من المسحوق الأبيض، الذي تتجاوز قيمته 1.25 مليار دولار، قادماً من أمريكا اللاتينية إلى منطقة ساحل الصحراء.

إن مقترح المغرب بمنح حكم ذاتي لسكان الصحراء في ظل سيادته، والذي كرست جدية مصداقيته، جميع قرارات مجلس الأمن منذ تقديمه سنة 2007، يبقى فرصة أخيرة لتسوية النزاعات السياسية في شمال إفريقيا، وتجنيب المنطقة ويلات حرب لن يسود فيها إلا الخراب.