تحتفل تونس في هذه الأيام بالذكرى العاشرة للثورة التي لم تحقق شيئاً من أهدافها، بل إن البلاد تذهب حثيثاً نحو المزيد من الانسداد.

ففي هذا الزمن السياسي العصيب أُعلنت مبادرات كثيرة تعددت تسمياتها من الإنقاذ، إلى الحوار الوطني، إلى تصحيح مسار الثورة، وصولاً إلى الدعوة إلى تغيير نظام الحكم.. دعوات كثيرة لحوارات وطنية لم تكن وليدة اللحظة الراهنة، بل إن بعضها انطلق حتى قبل انتخابات عام 2019، وأغلبها أُعلن بعد أن أفرجت الانتخابات (ذات أضعف نسبة مشاركة منذ عام 2010) عن نتائجها، فكانت دعوات الحوار الوطني بمثابة ترجمة لإحساس عام بأن المنظومة الحزبية الراهنة استنفدت كل صلاحياتها الفعلية والشعبية، وتآكلت مصداقيتها وقدرتها على الفعل، فضلاً عن عدم قدرتها عن تقديم البدائل الناجعة لأنها سبب أساسي في صنع الأزمة.

كثرة المبادرات السياسية، التي بلغ عددها إلى الآن ثماني مبادرات (أهمها مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل) هي دليل مضاف على عمق الأزمة، وتأكيد على أن السياق السياسي القائم أصبح مناخاً مناسباً للدعوة لإنهاء المنظومة الحزبية برمتها.

أحزاب الائتلاف الحاكم (النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس) ركنت إلى اعتبار كل تلك الدعوات مشاريع انقلاب على «ديمقراطية تونس»، وفي ذلك كسل معتاد وارتياب معهود من منظومة تأبى الاعتراف بأنها سبب رئيسي للأزمة، وتالياً لا يمكنها أن تكون منطلقاً للحل.

المبادرات الكثيرة المعلنة مثّلت نوعاً من التشخيص الصادق لوضع البلاد، فالأزمة الاقتصادية في تونس أصلها سياسي، وهي أزمة نابعة من تحالف مريب بين يمين ليبرالي لا يملك من الليبرالية إلا جشعها، وبين إسلام سياسي يرى البلاد غنيمة، وطالما كانت الأزمة ذات طابع سياسي، فإن الحل يكون بالضرورة من جنس المشكلة.

ثابت أن عامل الزمن ليس في صالح من دعوا لإنقاذ البلاد، ولا في صالح منظومة الحُكم، ولا في صالح البلاد والعباد، والأصلح أن يتم الإسراع إلى حوار وطني برعاية رئيس الجمهورية، وبمشاركة منظمات وطنية وازنة، علَّه يوقف النزيف الذي تعيشه البلاد، لأن أحزاب الحكم تأبى فتح أعينها عما تركته سنوات حكمها من خراب.

وفي صورة مواصلة التعاطي مع واقع تونس بالارتجال الراهن، فإن المرحلة المقبلة ستكون أكثر صعوبة على التونسيين، وعندها لن تُسعَف الطبقة الحاكمة بمبادرات حوار أو إنقاذ، بل ستُكنَس بقوة الشارع والاحتجاج.