يطل من جديد صراع الهوية الوطنية في ضوء تنامي الأصوات والمواقف المتطرفة لمكونات فرعية اجتماعية كالقبيلة والطائفة والعائلة، وأخرى التي تحشد قواها عبر جسور النفوذ المالي والاقتصادي.

نحن في #الكويت أمام معضلة سياسية عميقة، وباتت أكثر تعقيداً من الأمس القريب والبعيد أيضا، حتى استمرأ البعض، وهم ليسوا قلة برفع سقف الصوت الغوغائي وسط تغييب وغياب لأركان أدنى قواعد الخطاب المدني، سواء على مستوى الاعلام الرسمي والخاص، أو حتى نوافذ كثير من ادوات التواصل الاجتماعي.

إننا أمام صراع شرس على تعريف واحد جامع وشامل للهوية الوطنية قد يقود الى مجزرة اجتماعية، بعد أن شق التصدع طريقه في نسيج المجتمع الكويتي بسهولة وبمباركة رسمية ونيابية تارة، ونزعات سياسية وفكرية غيرناضجة تارة اخرى، لم يفرق أي منها من شكل النهاية الحتمية لهذا الصراع المحتدم منذ زمن حتى اقتربنا من ملامح واضحة لمجزرة اجتماعية.

فبعد تشرذم وانحسار صوت العمل السياسي الوطني بشتى توجهاته، باستثناء التيار الديني للإخوان والسلف، أصبحنا اليوم أمام واقع مؤلم شكلاً ومضموناً، وقد يكون أكثر قسوة على #الكويت وشعبها من السابق، وهو ليس بسبب نظام الصوت الواحد الانتخابي، وإنما بسبب هشاشة دولة القانون نتيجة تهاون رسمي في التطبيق بمواجهة الفزعات النيابية للانقسامات الفرعية الاجتماعية.

مشاهد شتى شعبية صاحبت الفرح العارم بإرادة التغيير الانتخابي لعام 2020، وهي فرحة مشروعة لتغيير مستحق عكس إرادة الناخب في إقصاء بعض أصوات المراهقة الصبيانية والغوغائية من جهة، والصوت النيابي القبلي والطائفي والفئوي وقوى الفساد من أدوات الدولة العميقة من جهة اخرى.

فقد حققت الفوضى ثقوباً واسعة في ثوب المجتمع الكويتي ومكتسبات سياسية تاريخية، حين استحسن هؤلاء نحر أوتار الدولة المدنية، من دون وقفة رسمية جادة في مجلس الامة والحكومة تحديدا، التي تملك سلطة القانون وتطبيقه.

فأثناء الانتخابات خرج صوت انتخابي منادياً بحرمان المواطنة الكويتية من حقوقها الدستورية والقانونية أسوة بحقوق المواطنين الذكور، بحجة المحافظة على الهوية الوطنية بالرفض لتجنيس أبنائهن وأزواجهن من الجنسية غير الكويتية، بينما التفت متعمداً وبموقف عنصري الصوت نفسه عن حق المواطن الذكر في تجنيس أبنائه وزوجته من مختلف الجنسيات، وهو التمييز الاجتماعي والعنصري بعينه، وقد لاقى هذا الطرح العشوائي فوز صاحبه!

أما التبرير الذي انحازت له بعض النساء من مرشحات او مؤيدين لهن حتى من الذكور بعد عدم نجاح امرأة واحدة من المرشحات، فقد حاد عن التحليل الموضوعي والعلمي، فالطرح كان سطحياً ونمطياً، خصوصا حين ارتفعت الأصوات المنادية بتوزير عدد من النساء انتصاراً لهن حكومياً تعويضاً عن الخسارة النيابية، وهو طرح غير مقبول موضوعاً ومنطقاً.

بينما غابت عن الساحة القراءة المتعمقة لتجربة دخول عدد من النساء دفعة واحدة قبل زمن، وخضوع بعضهن لإغراءات ومكاسب شخصية أثناء تولي العمل النيابي وبعده ايضا، حين انسلخ البعض من العمل السياسي ككل باحثين عن مصالح شخصية بحتة، وطي صفحة شعاراتهن الرنانة، وكأنها لم تكن بسبب عدم صدقية بعضهن في أهدافهن النيابية، وخضوع البعض الآخر ليكن أدوات للقوى المتنفذة سياسياً واقتصادياً.

الحقيقة المغيبة وليست المُرة هي أن الكفاءات تفرض نفسها انتخابياً ووظيفياً، سواء كان مصدرها من الرجال أو النساء، وكذلك الحال في القيادة التنفيذية الحكومية وفي القطاع الخاص ايضا، وهو كما يبدو حقيقة لم تلق لها صدى عند بعض النساء المرشحات أو ممن خسر منهن في الانتخابات النيابية، فالصوت كان متجانساً نغماً وتعبيراً وتبريراً بالرغم من الفرق بين الأطراف المعنية بالخسارة كافة.

ليس من الصواب تقييم انتخابات 2020 من منظور نسوي أو ذكوري، وليس من الصواب أيضا تقييم النتائج قبلياً وطائفياً ودينياً، وإنما الصواب والحكمة يكمنان في تقييم حجم الاصوات الاصلاحية النيابية، التي يمكن أن تنتصر للكويت مدنياً، وأن تقود لتعريف واحد جامع للهوية الوطنية، وليس على اساس الجنس أو مكونات فرعية وفزعات اجتماعية اخرى.

أما بالنسبة، للمرأة فهي مواطنة مثلها مثل الذكور، وعليها أن تعيد النظر في خطابها ودورها السياسي والاجتماعي قبل غيرها لترميم الدور المفقود كأحد أفراد المجتمع، بعيداً عن التصنيف الذكوري والنسوي، والجزم القاطع بالتعبئة الاجتماعية المسبقة ضد المرشحات اللاتي لم يسعفهن حظ النجاح أو من خسرت منهن المقعد النيابي.

إننا أمام مجزرة في التعميم والتبرير للخسارة الانتخابية والفوز أيضا، والضحية الوحيدة هي الهوية الوطنية ومصالح الدولة ككل، التي تقاذفها التجاذب السياسي والاقتصادي والقبلي والطائفي والفئوي في ظل غياب دور حكومي في قيادة خطاب إعلامي يرسخ مفاهيم ملحّة وجامعة مدنياً واجتماعياً ووطنياً.