«الزوينة» في اللهجات المغاربية تعني لغوياً الجميلة، والعادة المتوارثة عن القصص الخرافي تقتضي أن تقتل الزوينة (الجميلة) الوحش، لكن هذه المرة سيقتل الوحش الزوينة، ويجعلها عبرة لمن لا يعتبر.. فكيف حدث ذلك؟

القصة حقيقية، حدثت في سلطنة عمان قبل أيام، ويمكن أن تحدث عشرات مثلها في مختلف البلدان العربية دون أن نسمع بها، لولا الرسالة المأساوية التي تركتها «زوينة» وراءها، قبل أن تقدم على الانتحار، وهي الفتاة الجامعية، المتوازنة والذكية، طالبة الفيزياء المجدة والمتفوقة، ولكن أيضاً شديدة الوضوح في علاقتها بالحياة.

عندما قرأت رسالتها أُصبت بحالة ذعر، وشعرت فجأة كأني فقدت عزيزاً غالياً، وبدل محاكمتها، انتظرت أن نقف جميعاً بتواضع وخشوع، ليس أمام الموت وحده، ولكن أيضاً أمام القرار الذي اتخذته زوينة الهنائي، ونقرؤه بقليل من التواضع والحيرة، متأملين السؤال الذي لا يمكن تفاديه: لماذا يا زوينة؟ ألم يكن هناك حل آخر غير الانتحار؟

في الرسالة الكثير من المفاتيح عن وضع المرأة عربياً، وعن وحش التقاليد واليقين المتربص بها؟

تستحق رسالتها القوية التأمل حتى لا يحدث للأخريات ما حدث لها.. لقد أدركت أن شابة بهذا الصدق، وهذه الصراحة، حتى ولو كانت قاسية، لا يمكنها أن تعيش في مجتمعات كالتي نعيش فيها نحن، ونجانب قدر المستطاع رعبها وغضبها، بالخصوص بالنسبة لامرأة مثقفة وذكية لا يمكنها أن تدفن نفسها بقرار ذكوري.

شعرت بانتماء عميق لصرخة زوينة في مواجهتها للوحش المتأصل فينا جميعاً.. مسّتني في العمق. شعرت كأني أعرفها، وأني التقيت بها مرات عدة، ولا يمكنني أن أقف أمام رسالتها التي قاومت بها الوحش دون أن ينقذها أحد من مخالبه، وكأن الأمر لا يعنيني.

أعرف سلفاً أن سدنة اليقين الأعمى، والحق المقدس، سيدينونها، وينسون بكل بلادة أنها وضعت روحها الزكية كلها في الميزان.

شعرت برغبة كبيرة في الجلوس عند قدميها، والاستماع فقط إلى حرقتها، واحتضان أناملها الطفولية والتمتمة بخجل وتواضع أمام قرارها:

«أرجوووكِ، لا تفعلي هذا يا زوينة. نحن نحبك. لستِ وحدك من تجابه هذا الوحش اللامرئي، وسط هذا القفر العربي المميت، ولا أريد أن أسدي لك أي نصيحة، سوى أن تعيشي، فعمرك، هو عمر الحياة.. من يقرأ رسالتك، سيقف مرتعشاً أمام قسوة الوحش التي دفعت بك نحو العدم، دون الالتفات نحو أي جهة باستثناء جهة الشهب التي تبدت لك فجأة كملاذ أخير، وهي تخترق السماء.. كم تشبهين ذلك البحّار يا زوينة، الذي أتى فجراً إلى الشط الصامت، ووضع كل حوائجه وممتلكاته الصغيرة على الرمل النديّ، ثم دخل إلى البحر دون أن يلتفت وراءه، حتى غاب كلياً.

حزين يا زوينة أني لم أنتبه لصوتك وسط هذا الموج المتلاطم من الكراهية والأحكام الجاهزة، والمحاكمات. لروحك يا زوينة، لأرواحكن، الرحمة والسلام.. أشهد أن شراسة الوحش كانت الأقوى.. يكفيك أنك حاولت.