الإنسانية هي أن تشعر بكل من حولك ولا تحاول أن تؤذي أو تجرح الآخرين, وبدونها سنتحول الى وحوش تأكل بعضها البعض.

فتاة جميلة كانت تتحرك في حفل خطوبة اختها كالفراشة، تستقبل الضيوف بوجه سموح ومبتسم، وتتكلم مع الجميع بكل ذوق واخلاق، الفرح يشع من عينها, ترقص كالبجعة الرشيقة الجميلة، لفتت بأخلاقها وجمالها كل الأنظار وأولهم البنات الغيورات اللاتي كن يجلسن معي على الطاولة, وكانت كل واحدة منهن تحاول أن تبحث عن أي عيب أو خطأ في الفراشة، وطبعا سمعنا الكلام المعتاد الذي يقوله كل انسان حقود عندما يغير من جمال أي امرأة أو رجل, ولم يجدن أي خطأ, فقلن (أكيد كله عمليات تجميل ومو طبيعي!)، ثم فجأة قالت احداهن (الفراشة تلبس باروكة، هاي مو شعرها)، فالتفت لهن وكلي غيض وقلت لهن: دعوا الخلق للخالق واستمتعوا بالحفلة ما لكم والفراشة؟ هل أذت أي وحدة فيكم؟ (اشفيكم عليها؟)، طبعا امتعضن من كلامي وقلن لا بس من الملل نسولف عادي! ثم قالت الشريرة فيهن أنا بتأكد من شعرها. وقامت قبل أن أمسك بها ووقفت بجانب الفراشة التي كانت ترقص وهي في قمة سعادتها وتحرك شعرها بسلاسة فهمست لها الشريرة في أذنها لينقلب حال ومزاج الفراشة من قمة الفرحة الى قمة الحزن وابتسمت لها ابتسامة منكسرة لم تستطع بعدها مواصلة الرقص ثم اختفت عن الأنظار وانزوت في ركن بعيد وكأن فرحتها انطفت.

كم شعرت بالحزن والتعاسة لحظتها وأنا أرى فتيات جميلات في عمر الزهور يرتكبن جريمة فظيعة في حق فتاة جميلة لمجرد أنهن متمللات أو غيورات!! كيف ندمر نفسية أي انسان بهمسة واحدة دون ان يخطئ في حقنا؟ كيف نبحث عن الخطأ والعيب في أقرب الناس لنا ونحاول أن نجرحه به.

فأمسكت الفتيات وقلت لهن: ما هذا الحقد والشر الذي يظهر من فراشات جميلات مثلكن؟ لماذا هذا الهجوم على فراشة مثلكن لم تؤذ أي واحدة منكن؟ لماذا جاهدتن في وأد فرحتها بدل الاستمتاع معها في الحفلة؟ فحاولت الشريرة أن تتكلم ولكنني باغتها سريعا وقلت: ماذا همست في اذنها وحول فرحتها الى حزن؟ فقالت بكل فخر وتكبر واجهتها بحقيقتها وقلت لها: (حاسبي الباروكة ستقع) فضحكت بخبث!! فقلت لهن: هل تعرفن لماذا الفراشة لابسة باروكة؟ لأنها كانت تعيش حالة اكتئاب بشعة بعد موت صديقتها في حادث من أكثر من سنة فأصيبت بمرض الثعلبة الذي جعلها تفقد نصف شعرها وتصبح (صلعاء) وزاد ذلك من اكتئابها وحزنها فاضطرت والدتها الى أن تعرضها على طبيب نفسي يعالجها، هذه الفراشة كانت تبكي ليل نهار على ضياع صديقتها ثم شعرها حتى فقدت الكثير من وزنها وأصبحت كالمومياء ولكن بجهود الطبيب وحنان والديها وأسرتها استطاعت أن تخرج من حالة الاكتئاب وتحب الحياة ثانية ولكن شعرها لازال خفيفا ويحتاج الى الكثير من الوقت والعناية فاضطرت الى أن تلبس هذه الباروكة الجميلة التي تبدو طبيعية لكل عين محبة وطيبة، حتى تستعيد شعرها الجميل.

فتحولت الشريرة الى فراشة طيبة ثانية وقالت أقسم أنني لم أكن أتصور أو أعرف بما تعانيه الفراشة والا كنت سأحاول ان أساعدها!!

توجد بداخل كل منا كمية من الطيبة والشر والحقد والغيرة والتسامح، يجب علينا أن نغذي المشاعر الجميلة ونظهرها بدل أن نجعل المشاعر الشريرة تتغلب علينا ونتصرف تصرفات مخجلة.. دعوا الخلق للخالق واستمتعوا بالحياة والجمال، وارجوكم لا تقتلوا الإنسانية في قلوبكم.