العالم مليء بالغرائب والعجائب، منها ما لا يستوعبه عقلك ولا يخطر على قلبك، ومن أكثر الأمور غرابة طريقة التعامل مع جثث الموتى. لقد كرم الله الإنسان وحفظه حيا وميتا بأن علم البشر عن طريق الغراب كيفية دفن الموتى، وفي هذا تكريم للميت، لكن تأبى الشعوب إلا أن تخالف سنن الكون، فمنها من يحنط الجثث ويحتفل بها سنويا، والبعض يقدمها طعاما للنسور والجوارح، أو غذاء للتماسيح في البحيرات، أو رميها في بركان متقد كما يحدث في إيطاليا، ويقدمون لك تكاليف المراسم هدية وما عليك سوى تسليمهم الجثة!
وأخيرا، تفتقت عقول البشر عن طريقة جديدة يتم فيها تجميد الجثة في انتظار ابتكار طريقة لإعادتها إلى الحياة. أما أقدم طرق التخلص من جثث الموتى، فهي بحرقها بدرجات حرارة عالية تصل إلى ألف درجة مئوية، التي كانت خاصة بالهندوس وبدأت تنتشر حول العالم اعتقادا منهم أنها طريقه سهلة ولا تحتاج إلى أماكن للدفن، فقد ضاق العالم بالأحياء فكيف بالأموات!
لكن واجهتهم مشكلة التخلص من الرماد، فاضطروا لابتكار عدة طرق، منها نثره في البحار والمحيطات أو على سفوح الجبال، أو تحويل الرماد إلى ألماس تصنع منه العقود والأساور ويرتديها ذوو الميت ومحبوه. تخيل أن تحول جثة أحد أحبابك إلى قلادة!
وفي عام 1997 قام فريق من العلماء الإسبان بتصميم عجيب يعرف باسم "بايوس أورن"، وهو عبارة عن جرة صغيرة مصنوعة من ثمار جوز الهند والسيللوز المضغوط القابل للتحلل كاملا في الطبيعة، ومقسومة إلى قسمين، قسم يحوي الرماد، والقسم الآخر يحوي البذور المختارة التي يريد الشخص أن تتغذى على رماده أو الشجرة التي يريد أن يتحول إليها أو يشتريها فارغة ويضع البذور التي يريد بنفسه. ومع بدء تحلل الجرة في الأرض تقوى الجذور وتنغرس في التربة وتصبح جزءا منها!
فازت الفكرة بعديد من الجوائز، وأصبحت مشروعا متكاملا له أكثر من 28 فرعا موزعا حول العالم. وزعت الشركة حتى الآن أكثر من سبعة آلاف جرة تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 150 دولارا. هدف الشركة ليس علميا بحتا، إنما فلسفي ربحي، يقنع الزبون بأنها وسيلة لتذكر الأحبة بعد فقدانهم بشكل مستدام وطبيعي وتحويل الموت من نهاية للحياة إلى عودة إلى الحياة عن طريق الطبيعة. وهذا دليل على محدودية فكر البشر أمام عظمة الخالق، وانظر ماذا تفعل بنا الحياة حين نخالف سنن الله الكونية، وآخرها أكل ذلك الخفاش الذي قلب الأرض رأسا على عقب. إنهم يحاولون أن يخرجوك من مشكلة لتقع في أكبر منها. تحية للغراب المعلم!