ما معنى أن يعلن رئيس دولة عربية: أن منظومة الحُكم السياسي التي يقف هو على رأسها رسمياً فشلت بعد تجربة امتدت إلى أكثر من 17 سنة؟ السؤال يمكن أن يعتبر بحدِّ ذاته صدمة في نفس المُتلقي لجرأة الاعتراف، غير أن كون الدولة المعنية هي العراق فإنه لا دهشة في التصريح، وإنه لا أحد يتوقف عنده كثيراً، لا سيما أن صاحبه ظل مُلاَزِماً للمناصب السياسية في خلال السنوات الـ17 كلها، ولم يكن مُنفصلاً عنها مطلقاً.

المعطى الأول لهذه الإدانة الصريحة من الرئيس برهم صالح لمرحلة سياسية تكاد تقترب من أن تكون إطاراً لجيل عراقي كامل، هو أن الفشل قرين أكيد للعملية السياسية، التي جرت هندستها في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية في الشهور التي سبقت الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 بإشراف السفير زلماي خليل زادة، ثم قام الحاكم المدني بول بريمر بتثبيت أركانها في المنطقة الخضراء ببغداد.

وفي التفصيل، يأتي المعطى الثاني، وهو أن المناصب والهيئات السيادية في البلد غير قادرة على تصحيح الأخطاء، ذلك أنّ الخطأ لم يعد من عوارض المسيرة الجانبية، وإنما هو جزء قارّ في تركيب المبنى السياسي القائم، وهذا لا يمكن إصلاحه إلا من خلال إحلال عملية مكان أخرى، وهذا خيار فات أوانُه ولا توجد إرادة دولية أو رغبة إقليمية في الاتجاه نحوه.

الجمود السياسي يمنع تعديل الدستور، بسبب استقطابات الثنائية الأمريكية والإيرانية بين القوى المشتركة في الحكم، وهذا الجمود غير قابل للذوبان أو التصريف بسبب الهيكلية التقسيمية الثلاثية، التي تقوم عليها ترسيمة افتراضية للحكم، تتخللها انتهازية سياسية طاغية وذات جذور.

تغيير الحكومات تكرّر أكثر من مرة، واتضح أنه ليس حلاً، بل إن التدهور ازداد مع كل حكومة جديدة، ليس بالضرورة لعلّة في شخوصها، بقدر ما هو لعلّة في المبنى السياسي برمته، وعلّة الانعزالية الفكرية المغلقة لكل قوة تشترك بنصيب في إدارة البلد، سواء في المشهد الرسمي المعلن، أو في مراكز قوى الإقطاعيات الطائفية والقومية والجهوية التي تعمل تحت لافتة الحكم غير المركزي.

من هنا تكون قراءة الرئيس العراقي دقيقة في اختصار النتيجة بكلمة الفشل، ومع عدم وجود إمكانية في الخروج عن النص المتوافق عليه أمريكياً وإيرانياً، طوعاً أو كرهاً، فإن الفشل سيبقى صفة ثابتة لمسار يقود العراق إلى مزيد من تداعيات هذا الوضع الهش في الاقتصاد والتنمية والنسيج الاجتماعي.