- فتحت الـ”بلكونة” وبدأت كتابة هذه الزاوية اليوميّة، هنا في “الرياضية” قبل أعوام، تحديدًا 2016 م. في البداية كنت قلقًا بشأن القدرة على الاستمرار في الكتابة اليوميّة. وأعترف: شيء من القلق يربكني لدقائق يوميًّا بهذا الخصوص، لكنني تعوّدت عليه. أحيانًا، يرزقك الله مقالة من تغريدة، من رسالة “واتساب”، من سطر في كتاب، من مشهد سينما ومن أغنية، من حديث عابر. الكاتب اليومي مثل العصفور: يلتقط رزقه يومًا بيوم!.
- القلق الأكبر، والخوف الحقيقي، الذي صار يلازمني، هو التّنطّع الثقافي وثقل الدّم!. والمسألة ليست مضمونة!. قبل مدّة كتبت في تويتر تغريدة رياضيّة. وصلني تعليق: “ما هي مؤهلاتك حتى تتكلّم في هذا الشأن”؟! التعليق وضعني أمام حقيقتي فكتبت: “بصراحة مؤهلاتي ثانويّة عامّة ولاعب حواري سابق”!. أعجبني السؤال وارتحتُ للجواب، فأنا ممّن يحتاجون، بين فترة وأُخرى، لتذكيرهم بحقيقتهم، وإلا طاشوا!.
- لا تستهينوا، أبدًا، بحكاية، أو بعُقدَة، الاقتصار على ثانويّة عامّة، بالنسبة لشخص وجد نفسه فجأةً في وسط إبداعي وثقافي، مليء بأصحاب شهادات عُليا مُرعبة من جامعات قديرة. مثل هذا الشخص، وأتحدّث عن نفسي، يكذب إن هو قال لكم بعدم شعوره بالنقص، أو بعدم الحلم والتمنّي أن يكون مثلهم!. والمسألة تحتاج صبرًا وتأمّلًا ومجاهدةً للنفس، ومراجعات كثيرة لها، وإلا فإن أدنى قدر من الشهرة يمكنه جعل مثل هذا الشخص، صاحب نعرة كذّابة!.
- يحكي لي صديق، يكره المتنطّعين بالثقافة كرهًا له العجب، ولا يصح سرد أقواله بحذافيرها فيما يخصّهم، لأنه يتعمّد رميهم بالكلام الشوارعي التحتاني والذي أُهملتْ أماكن نشره وطباعته، التي هي الجدران و”الكباري” وأبواب حمّامات المقاهي!.
- صديقي هذا مثقف حقيقي وقارئ نهم، وهي أمور تظهر جليّةً في تصرفاته، وفي آرائه حين يكون الموضوع جادًّا ويحمل قيمة، لكنه، في غير ذلك، يبدو همجيًّا وصفيقًا، وهو على أي حال يعشق حياة الصعاليك وينتمي إليهم. لا علاقة له بالصحف والإعلام، ويضجر بسرعة كاريكاتيريّة من أي شخص يظهر عليه الحرص بأن يبدو مثقفًا وأن يتعامل معه الناس على هذا الأساس!.
- سألته مرّةً عن سبب هذا الجفاء، فقال: قبل سنين، لقيت أحد هؤلاء “لن أذكر اسمه!”، كان يجلس في بهو فندق، عرفته من صوره الكثيرة في الصحف ومن ظهوره أكثر من مرّة في التلفزيون، فأحببتُ مجالسته، رحّب، ولكنه كشف لي عن ركاكة عجيبة معجونة بثقل طينة أعجب!. تورّطت!، وفجأة لمحت من بعيد رجلًا يتجه نحونا، وكلما اقترب كنت أشعر بسعادة أكبر، إذ شيئًا فشيئًا تتأكد ظنوني بأنه فلان الفلاني “لن أذكر الاسم”!. كان هذا الفلاني أشهر وأهم وصيته أعلى من الأوّل. يقول صاحبي: قلتُ في نفسي، هذا هو المنقذ، وهو الذي سيصلح صورة المثقف التي “دشدشها” الأول!.
- وصل، رحّب به المثقّف “الغلس”، وقال له: اجلس!. فردّ: كيف؟!. قال: اسحب كرسيًّا واجلس!. قال: سحب الكرسي سهل لكن كيف أجلس؟!، لحظة صمت، وأضاف: الواقف يقعد!. القعود هو الذي يبدأ من فوق إلى تحت، بينما الجلوس يبدأ من تحت إلى فوق!. المضطّجع يجلس أما الواقف فيقعد!.
- يضيف صاحبي بالقَسَم المصري: “وِحْيَاتَكْ” ما أن قعد حتى نهضت مستأذنًا، من “الغِلِس” و”الأغلس” ومن يومها وأنا هارب!.
- في الأيام الأخيرة، صار صديقي لا يردّ على اتصالاتي الهاتفيّة!. صرت أحتاج لتكرار الاتصال أكثر من مرّة ليردّ!. أسأل الله أن لا يكون هذا الجفاء بسبب تصنيفه لي، ووضعي معهم على نفس الطاولة!.