من الحالات النادرة أن يصبح كاتب السيناريو أكثر شهرة من المخرج، وأن يقرن اسم كاتب العمل مع اسم المخرج جنبا إلى جنب، ومن الحالات النادرة أيضا أن يجمع الكاتب بين الفنية العالية والجماهيرية، هذا ما استطاع أن يفعله وحيد حامد.

رحل، لكنه بالتأكيد خالد، أفلامه ومسلسلاته التي قدمها على مدار أربعين عاما لا نظل نتذكرها، وسنظل نتذكرها لأنها ليست أعمالا عادية، الفن يبقى، وفنه خالد لأنه لم يكن فقط يحمل هموم الناس ويدافع عنهم، لكن لأنه كان يفعل ذلك بعذوبة شديدة، وبسخرية عالية وبقدرة على التنبؤ تجعلنا نقف مذهولين أمام قراءاته الشفافة للمستقبل الذي كان يراه ويحذر منه.

دور الإعلام الذي كان يؤمن به وحيد حامد هو توعية الناس، وليس الضحك عليهم أو تخديرهم، أن تكشف الجرح وتشير إليه بوضوح، خاض معارك مقلقة وجبارة حين كتب مسلسل الجماعة، وبينما كان الإخوان يشتمونه ويحاربونه، كان يتحداهم أن يثبتوا أنه كذب أو ادعى عليهم، وبعد فترة وجيزة من عرض المسلسل خاضت مصر ما خاضته مع الإخوان.

تقديم مسلسل سياسي تاريخي ضخم مثل هذا المسلسل مهم جدا، لأنه يقدم التاريخ للشباب الذي عزف عن القراءة والبحث، وإذا كان الجدل الذي قام دفعهم للقراءة والبحث فهذا أقصى ما يتمنى كاتب أن يقوم به الناس كاستجابة لعمله.

والفنان بطبعه قلق ويبحث عن الأفضل، وبطبعه يسأل ويبحث، ووحيد حامد برغم شهرته يقول في أحد لقاءاته إن هناك أعمالا يندم عليها، ولا يذكرها لأن العمل الفني ليس وحيد حامد فقط وإنما كل الطاقم الذي عمل على إخراجه للناس. لذلك هو يندم في سره.

بينما لمعظم الناس أفلامه السياسية الساخرة ربما هي الأشهر، بالنسبة لي هناك عمل في منتهى الرقة والعذوبة، يقطر رومانسية شفافة وبريئة، قريبة من الناس، ومن هموم الناس، من هواجسهم وأحلامهم، من خوف أب على ابنته، ومن علاقة ابن بوالدته، ومن قصة حب بسيطة لكن ليست عادية، حين تهز قوالب المجتمع، وتجعل الأب يفكر، كيف يقبل أن يسلم ابنته لشاب أعلى طبقة بدون أن يكسرها أو ينال من كرامتها. «اضحك الصورة تطلع حلوة»، فيلم وحيد حامد الأعذب والذي كتبه بعد أن نظر إلى مصور وهو يسير في الشارع.

وحيد حامد الذي يقول بعد كل الشهرة والقوة التي نالها، كي تكتب فنا صادقا، عليك أن تكون قريبا من الناس، أن تعيش معهم، أن تنزل إلى الشارع وتراهم وتعرفهم.

وداعاً وحيد حامد.. «الكلمة أولاً» هذا ما أثبته لنا بالدليل القاطع.