قد يكون الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب نجح في ابتزاز بعض المشرعين الجمهوريين، وحملهم على تبني ادعاءاته بتزوير الانتخابات، لكنه أخفق في حمل «المؤسسة» الحاكمة على اتخاذ الموقف نفسه، فلا حكام الولايات التي طعن في نزاهة الانتخابات فيها، ولا المحاكم المحلية والفيدرالية بما في ذلك المحكمة العليا، التي عيّن هو شخصياً ثلاثة قضاة فيها، صادقت على الطعون التي قدّمها فريقه الانتخابي حول نتائج التصويت في الولايات التي توصف ب«المتأرجحة».
المغامرة الأخيرة لترامب في تحدي المؤسسة كانت مع السلطة التشريعية بمجلسيها: الشيوخ والنواب، حين حرّض بعض مناصريه، على اقتحام مبنى الكونجرس عند اجتماعه للتصديق على نتائج الانتخابات التي فاز فيها منافسه الديمقراطي جو بايدن بغالبية أصوات حاسمة.
كان رهان ترامب أن يكون هذا الاقتحام وسيلة للضغط على المشرعين الجمهوريين بالدرجة الأولى لقلب النتائج، ولكن حتى الكثير ممن كانوا ميالين لتبني موقفه من المشرعين، وجدوا أنفسهم محمولين على إعادة النظر في الأمر تحت تأثير صدمة نتائج تأجيج ترامب لمناصريه لاقتحام المبنى، بل إن أقرب الرجال إلى ترامب وأكثرهم إخلاصاً له، نائبه مايك بنس، نأى بنفسه عن التورط في نهج رئيسه المغامر، وانحاز للقواعد المستقرة في المؤسسة.
«تمرد» ترامب على المؤسسة ليس جديداً. الظاهرة الترامبية برمتها، منذ نشأتها، هي عنوان هذا التمرد، فلم يكن أحد لا من الديمقراطيين وحدهم، وإنما من الجمهوريين أيضاً، يحمل ترامب على محمل الجد حين قدّم نفسه ليكون مرشحاً عن حزبهم في انتخابات الرئاسة، ولكنه أزاح من طريقه كل مرشحي الحزب، حتى غدا مرشحه الذي أطاح بالمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي كانت، هي وحزبها، على ثقة من فوزها الكاسح.
لا نعلم ما سيحدث في الأسبوعين المتبقيين على موعد خروج ترامب من البيت الأبيض، وأي مغامرة يضمرها قبل خروجه، لكن المؤكد أن الدوائر ضاقت عليه وبدا كمن استنفد كل مناوراته، فتحريضه في السادس من هذا الشهر أنصاره على التظاهر أمام مبنى ال«كابيتول» ألحقت به أشد الضرر الذي سيدفع ثمنه غالياً، بما قد يؤدي، فعلياً، إلى إنهاء حياته السياسية ووأد طموحاته، وربما ينتهي به الأمر «متهماً» أمام المحاكم .
يرجح هذا الاحتمال حقيقة أن ترامب بات عبئاً على الجمهوريين بدرجة أولى، بما سببه لهم من خسائر متتالية، فبات من مصلحتهم إعلان البراءة منه.